
منذ أكثر من 58 عاماً والحديث يتكرر عن ضرورة تنويع مصادر الدخل، الذي يعد التحدي الأكبر، وعن عدم الاعتماد على مصدر واحد ناضب أي النفط، في وقت يتزايد الحديث بشدة وبحدة مع كل إقرار للميزانية العامة للدولة لا سيما أن الإيرادات النفطية تشكل ما لا يقل عن 84 في المئة من إجمالي الإيرادات في أحسن الأحوال، لكن عقب اعتماد الميزانية يذهب الكلام أدراج الرياح، حتى تأتي الميزانية التالية، ويستمر المنوال ذاته.
فهاجس الاعتماد على مصدر واحد للدخل، كما يرى المراقبون، لم يكن وليد اللحظة ولا حتى في العقود القليلة الماضية، بل يعود إلى العقد الأول لظهور الدولة الحديثة، لكن بالتأكيد الوضع أكثر اختلافاً اليوم وسط تزايد المصروفات وعدم قدرة الإيرادات النفطية على تغطيتها، واعتماد الميزانية بالنسبة الأكبر على النفط، ولا شك أن تقليص هذه النسبة لن يأتي في ليلة وضحاها، فكثير من الإصلاحات الاقتصادية التي تقود نحو ذلك، التي نادى بها الاقتصاديون ومراكز الاستشارات منذ سنوات ليست بقليلة، التي كانت تدعو لأن تكون الإصلاحات وفق رؤية واضحة المعالم تسير عليها الحكومات المتعاقبة، وتدافع عن رؤيتها دون الخضوع لأي ضغوطات.
يجب تحقيق إصلاحات لتوفير وسائل أخرى للدخل
وبتسليط الضوء على الإيرادات النفطية التي جاءت في الحساب الختامي للسنوات المالية الأخيرة (2019/2020-2023/2024) شكلت الإيرادات النفطية 89.7 في المئة من مجمل الإيرادات بحسب الإحصائية التي أعدتها «الجريدة» للحسابات الختامية الخمسة الأخيرة، وبلغت قيمتها 88.58 مليار دينار، متعرضة لمخاطر تقلب أسعار برميل النفط وللاضطرابات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، علاوة على تهديدات المنفذ الوحيد لخط امتدادات النفط عبر الخليج العربي.
وباستعراض الإعلانات الرسمية السابقة في الخطابات الحكومية حول «الضمانات المتوفرة للدولة لاستمرار التدفقات المالية في حال انخفاض سعر بيع برميل النفط لمستويات دون سعر التوازن في الميزانية العامة»، كان لوزارة المالية رد حول الضمانات بأنها تتمثل بالضمانات المتوفرة في استمرار التدفقات المالية في حالة انخفاض سعر برميل النفط لمستويات دون سعر التوازن في الميزانية العامة بالسحب من الاحتياطي العام بالقدر الذي يمكن معه تغطية العجز علاوة على إقرار مشروع قانون الدين العام بما يسمح بعقد قروض عامة وعمليات تمويل من الأسواق المالية المحلية والعالمية للمساهمة في تغطية العجز أو جزء منه.
و«المالية» توضح في بيانها أن «الدين العام» لا يمثل حلاً دائماً لمسألة العجز إنما هو جسر لعبور المصاعب المالية ريثما يتم التوصل إلى وضع مستقر ومستدام للمالية العامة، معلنة أنها تقوم بإعداد خطة شاملة للإصلاح المالي والاقتصادي.
وباستعراض الإيرادات النفطية في الحسابات الختامية، فقد بلغت في الحساب الختامي للسنة المالية 2019/2020 ما قيمته 15.36 مليار دينار، فيما بلغت قيمة الميزانية فيها 21.14 ملياراً، وفي الحساب الختامي للسنة المالية 2020/2021، انخفضت الإيرادات النفطية إلى نحو 43 في المئة لتبلغ ما قيمته 8.79 مليارات دينار وبلغت الميزانية ما قيمته 21.29 ملياراً، بفعل تأثر الاقتصاد العالمي بجائحة كورونا، لترتفع بالنسبة التالية لها، فجاءت في الحساب الختامي لسنة 2021/2022 ومع انفتاح الاقتصاد وزيادة أسعار برميل النفط إلى نحو الضعف بعد أن كان سعره في 20/21 مسجلاً 42.36 دولاراً للبرميل، فقد سجل 80.7 دولاراً للبرميل، لتسجل الإيرادات النفطية 16.21 مليار دينار وبلغت الميزانية حينها 22.95 ملياراً تلاها الارتفاع في الحساب الختامي اللاحق لسنة المالية 2022/2023 لتسجل الإيرادات النفطية قفزة بنحو 65 في المئة لتسجل 26.7 مليار دينار ويسجل سعر برميل النفط 97.7 دولاراً للبرميل لتشكل الإيرادات النفطية حالة استثنائية في حينها وتحقق فائضاً في وقتها بلغ 6.3 مليارات دينار ليكون أول فائض بعد سنوات عجاف من العجوزات المتتالية.
لكن سرعان ما عاد الوضع إلى المعتاد بتسجيل العجز بعد أن بلغت الإيرادات النفطية 21.52 مليار دينار في الحساب الختامي للسنة المالية 2023/2024، ولتسجل الميزانية ما قيمته 25.2 مليار دينار، ومع انخفاض في سعر برميل النفط إلى 84.36 دولاراً للبرميل.