
لا يختلف اثنان على أن الفرنسي نجولو كانتي هو أحد أفضل لاعبي خط الوسط في تاريخ كرة القدم، وقد وضع نفسه في هذه المكانة خلال أقل من 10 سنوات.
اضافة اعلان
هذه المكانة لم تكن وليدة الصدفة، بل كانت نتيجة لما بذله لاعب الوسط الفرنسي منذ أن كان طفلًا صغيرًا، حتى أصبح عملاقًا كبيرًا.
ويقدم “كووورة ” خلال السطور التالية، الحلقة الثالثة من سلسلة “ريمونتادا”، المكونة من 8 حلقات على مدار شهر رمضان المبارك، بواقع حلقتين أسبوعيا، يومي الأحد والثلاثاء.
وسيتم الحديث خلال هذه السلسلة عن المعاناة التي مر بها أهم نجوم الدوري السعودي من المحترفين المسلمين، قبل أن يتجاوزوا هذه المحن ويحققوا الإنجازات، وسيكون كانتي نجم الحلقة الثالثة من “ريمونتادا”.
طالع الحلقة الأولى.. ريمونتادا.. بنزيما “سلاح متعدد” وحد صفوف العالم
طالع الحلقة الثانية.. ريمونتادا.. بونو “أسد مغربي” أجبر العالم على احترامه
كانتي قزمًا
في 29 مارس/آذار 1991، وتحديدًا في ضاحية روي مالميزون غربي العاصمة الفرنسية باريس، وُلد نجولو كانتي لأبوين من مالي، هاجرا إلى فرنسا في 1980.
بحسب كانتي نفسه، أطلق والداه اسم “نجولو” عليه نسبةً إلى أحد ملوك مالي السابقين الذي بدأ حياته من القاع حتى غزا المملكة بأكملها.
لم يكن والدا لاعب الوسط الفرنسي يُدركان أن ابنهما سيسير على خطى من تسمى باسمه، حيث بدأ من القاع حتى غزا قلوب جميع جماهير كرة القدم في العالم.
بدأ كانتي مسيرته الكروية بعمر الـ8 سنوات، حيث انضم إلى نادي سوريسن بالضاحية التي يسكن فيها، وظل هناك لأكثر من 10 سنوات كاملة.
رغم أن نادي سوريسن كان يقع بالقرب من باريس سان جيرمان، لكن نادي العاصمة الفرنسية لم يلتفت لكانتي، وكذلك لم تأبه له أندية سوشو ولوريان ورين، حتى إن مركز كليرفونتين التابع لأكاديمية المنتخب الفرنسي لم يُبد اهتمامًا باللاعب.
ويحكي أرسين فينجر، مدرب أرسنال الأسبق، أن صديقه الذي كان رئيسًا لنادي سوريسن عرض عليه ضم كانتي، ووصفه بغير المعقول، لكنه رفض، قبل أن يندم على ذلك لاحقًا.
وأشار إلى أن رئيس سوريسن أخذ كانتي في سيارته، وسافر به من نادٍ لآخر ليعرضه عليهم، ولكن الأندية كانت ترفض ضم اللاعب الصغير.
بيير فيل، المدرب المساعد لفريق سوريسن في فترة كانتي، كشف أن سبب ذلك كان صغر حجم اللاعب، بالإضافة إلى أنه لم يكن يلعب لنفسه، بل كان يفضل مصلحة الفريق.
ظهير في فريق رديف
في 2010، نجحت محاولات رئيس سوريسن، وانتقل كانتي إلى فريق بولوني الذي كان يلعب في دوري الدرجة الثانية الفرنسي، ولكنه انتقل للعب في الفريق الرديف.
الأمر الأكثر غرابة أن كانتي بدأ مسيرته مع الفريق كظهير أيمن احتياطي، ولكنه بدأ يشق طريقه نحو الفريق الأول خطوة بخطوة.
ولكن لسوء الحظ، لم يخض كانتي مباراته الأولى مع الفريق الأول سوى في المباراة الأخيرة من موسم 2011-2012 الذي هبط فيه الفريق لدوري الدرجة الثالثة.
وكان على نجولو أن يلعب لموسم كامل مع بولوني في دوري الدرجة الثالثة، قبل أن ينقذه فريق كان الذي كان يلعب في دوري الدرجة الثانية، حيث ضمه في صيف 2013.
في كان، نجح كانتي في خطف الأضواء، وأسهم في صعود الفريق للدوري الفرنسي في موسمه الأول، وعدم الهبوط منه في الموسم الثاني، بعدما كان أكثر لاعب استخلاصًا للكرات في أوروبا.
مرفوض من رانييري
في 2015، كان الانتقال الأكبر الذي ينتظر كانتي، حين بدأ ستيف والش، مدير كرة القدم في ليستر سيتي في ذلك الحين، في متابعته من أجل التعاقد معه.
لكن مهمة والش في التعاقد مع كانتي لم تكن سهلة، ليس بسبب اللاعب ولا ناديه، ولكن بسبب الإيطالي كلاوديو رانييري المدير الفني لفريق ليستر سيتي في ذلك الحين.
رانييري كان يرفض التعاقد مع كانتي، وكان يرى أن قوامه البدني ليس مناسبًا للعب في الدوري الإنجليزي الممتاز، على عكس قناعة والش.
غير أن قناعة والش الكبيرة بكانتي جعلته يُلحّ على رانييري، حتى إنه كان يصيح “كانتي .. كانتي” في كل مرة يقابل المدرب الإيطالي في النادي.
نقطة البداية
في النهاية، اقتنع رانييري بفكرة التعاقد مع كانتي، وضمه ليستر سيتي في صيف 2015 مقابل نحو 8 ملايين يورو، ليكون ذلك أحد أفضل القرارات في مسيرته.
وفي موسمه الأول والوحيد، قاد كانتي ليستر سيتي للفوز بلقب الدوري الإنجليزي للمرة الأولى والأخيرة في تاريخه، فيما أسماه البعض بـ”معجزة القرن”.
دخل كانتي فريق الموسم في الدوري الإنجليزي، لينتقل في صيف 2016 مباشرةً إلى تشيلسي الذي حصد معه لقب البريميرليج في موسمه الأول أيضًا، ليصبح أول لاعب يفوز باللقب لعامين متتاليين مع ناديين مختلفين منذ 1993.
وبنهاية الموسم الأول، حصد كانتي جائزة لاعب الموسم من رابطة اللاعبين المحترفين، ومن رابطة النقاد الرياضيين، ومن رابطة الدوري الإنجليزي، بالإضافة لدخوله فريق الموسم للمرة الثانية على التوالي.
كانتي حصد جائزة أفضل لاعب في ليستر بموسمه الوحيد، وحصد نفس الجائزة مع تشيلسي في الموسمين الأول والثاني.
وواصل قطار كانتي انطلاقته بشكل مميز، فحصد مع تشيلسي كأس الاتحاد الإنجليزي ودوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي وكأس السوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية.
ومع منتخب فرنسا، حصد كأس العالم 2018 ودوري الأمم الأوروبية 2021، ودخل فريق العام من الاتحاد الأوروبي في 2018، وحصل على المركز الخامس في ترتيب الكرة الذهبية من مجلة “فرانس فوتبول” الفرنسية لعام 2021.
صدمة الأخ
قبل أسابيع قليلة من كأس العالم 2018 في روسيا، تُوفي نايما، الشقيق الأكبر لنجولو، بسبب نوبة قلبية.
نايما لم يكن مجرد الأخ الأكبر لكانتي، فقد تُوفي أبوه عندما كان يبلغ 11 عامًا فقط.
وعلى الرغم من ذلك، سافر كانتي مع منتخب فرنسا إلى روسيا، وقاده للتأهل للنهائي.
ورغم معاناته من بعض الآلام في المعدة، لكن كانتي شارك بالنهائي وقاد “الديوك” لحصد اللقب للمرة الثانية في التاريخ.
إصابة مزمنة
قبل انطلاق كأس العالم 2022 بفترة قصيرة، تعرض كانتي لإصابة في الركبة، غاب بسببها لفترة طويلة، وبالطبع غاب عن المونديال، ولكن لم تكن تلك هي المشكلة الأكبر.
تأهيل كانتي لم يكتمل، فخضع لعملية جراحية زادت من مدة غيابه حتى عاد في أبريل/نيسان مع اقتراب الموسم من نهايته، ولكنه لم يكمل شهرًا حتى تعرض لإصابة جديدة، ولكن هذه المرة على مستوى الفخذ.
أصبح كانتي موصومًا بأنه يعاني من إصابة مزمنة، حتى رحل عن تشيلسي في نهاية الموسم، بعد 7 مواسم تاريخية مع الفريق اللندني، لكن الرحيل لم يكن مثلها، إذ غادر النادي بالمجان، ليتجه نحو اتحاد جدة الذي لم يفلت هو الآخر من الانتقادات بداعي إصابة اللاعب المزمنة.
تعززت تلك الانتقادات بعد غياب كانتي عن أولى مباريات “النمور” في البطولة العربية للأندية، ثم هدأت قليلًا بعد مشاركته في أول 13 مباراة بالموسم، قبل أن تشتعل مرة أخرى بعد إصابته في الجولة الـ13 من دوري روشن ضد أبها، وغيابه عن مباراتي الجولتين الـ14 والـ15 ضد الاتفاق والخليج.
لكن كانتي رد على تلك الاتهامات بأفضل شكل ممكن، فعاد ليشارك في 44 مباراة بأول موسم، سجل خلالها 4 أهداف وصنع 6، ليقرر ديدييه ديشامب، مدرب منتخب فرنسا، إعادته لقائمة “الديوك” في كأس أمم أوروبا “يورو 2024” بعد غياب 713 يومًا.
ولم يكتفِ لاعب الوسط الفرنسي بمجرد العودة، بل شارك أساسيًا، وحصل على جائزة رجل المباراة في أول مباراتين بدور المجموعات، وارتدى شارة القيادة لأول مرة، وأسهم في الوصول لنصف النهائي قبل الهزيمة من إسبانيا.
وعاد كانتي من “اليورو” ليواصل تألقه مع “النمور”، حيث قاد الفريق للتأهل للدور نصف النهائي من كأس خادم الحرمين الشريفين، وإلى صدارة جدول ترتيب الدوري السعودي، بعدما خاض 24 مباراة بالبطولتين، سجل خلالها 3 أهداف وصنع مثلها.
كانتي في رمضان
لم يتحدث كانتي كثيرًا عن صيام شهر رمضان، ولكنه ظهر في بعض الفيديوهات وهو يهنئ الجماهير بحلول الشهر المبارك.
وبينما لم يتحدث كانتي كثيرًا عن صيامه لشهر رمضان، كان الآخرون هم من تحدثوا عنه، ومنهم جيروم روتن، زميله السابق في فريق كان.
وقال روتن إن كانتي كان يصوم رمضان رغم الحرارة المرتفعة للغاية، ولكنه كان يتظاهر بالإفطار خشية أن يجبره مدربه على الصيام.
وأوضح جيروم أن نجولو كان يجلس بجانبه، دون أن يتناول أي طعام أو شراب، وطلب منه ألا يخبر المدرب بالأمر، وهو ما فعله احترامًا لقراره.
ولم يتأثر كانتي بالصيام كثيرًا، حتى إنه حصد جائزة أفضل لاعب في مباراة ريال مدريد بنصف نهائي دوري أبطال أوروبا 2021، والتي خاضها وهو صائم.
وبحسب شبكة “ESPN” العالمية، فإن كانتي قطع 12 كيلومترًا في تلك المباراة، وقاد فريقه للتأهل للنهائي ومن ثم الفوز باللقب التاريخي على حساب مانشستر سيتي.