
استضافت المملكة كأس العالم للرياضات الإلكترونية في عام 2024 بالرياض، في خطوة عززت ريادتها العالمية في هذا المجال، ورسخت مكانتها كمركز رئيسي لصناعة الألعاب والرياضات الإلكترونية، وشهد الحدث الذي كان الأكبر من نوعه، مشاركة نخبة الفرق واللاعبين من مختلف دول العالم للتنافس على ألقاب عالمية في عدة ألعاب إلكترونية.
ولي العهد أكّد على جاهزية المنظومة السعودية لتنظيم الحدث
وحول استضافة المملكة كأس العالم للرياضات الإلكترونية كأول بطولة من نوعها، كشف مجموعة من المسؤولين في برنامج حكاية وعد على قناة “mbc1″، كواليس الاجتماعات التي عقدها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان مع مسؤولي أكبر شركة ألعاب في العالم، وتهيئة شبكة الاتصالات لخدمة التطبيقات السريعة، ودور وزارة الإعلام في إيقاف التسرب الاقتصادي الناتج عن الألعاب الإلكترونية.
وفي هذا الصدد، لفت رئيس مجلس إدارة الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية الأمير فيصل بن بندر، إلى أن الاتحاد بدأ مسيرته من خلال تأسيس مكتب وتسجيله رسميًا في الاتحاد الدولي، وهي الخطوة التي مهّدت الطريق لتوسعته وبناء فريق العمل والبحث عن الكفاءات المناسبة، إلا أن رئيس هيئة الترفيه تركي آل الشيخ استدعى متحدث الاتحاد وطلب منه تنظيم بطولة كأس الهيئة للرياضات الإلكترونية خلال 10 أيام فقط، وهو ما بدا حينها أمرًا مستحيلًا نظرًا للحاجة إلى الحصول على تراخيص من صناع الألعاب، وإنشاء موقع إلكتروني للإعلان عن البطولة، بالإضافة إلى توفير الموقع المناسب والتجهيزات التقنية اللازمة، وبعد مناقشة التحديات، تم تمديد المهلة إلى 20 يومًا، لتنطلق البطولة بمشاركة 1500 لاعب من بين 25 ألف مسجل.
وأضاف الأمير فيصل بن بندر أن هذه البطولة شكّلت محطة تاريخية في قطاع الرياضات الإلكترونية بالمملكة، حيث كانت أول بطولة رسمية تحت إشراف هيئة الرياضة، جمعت الشباب والفتيات للتنافس في بيئة واحدة، كما كانت جميع فرق التنظيم من السعوديين والسعوديات؛ مما جعلها تجربة غير مسبوقة ونقطة تحول رئيسية في المجال، حيث استقطبت على مدار 3 أيام أكثر من 5000 زائر حضروا لمتابعة المنافسات، وهو رقم تجاوز التوقعات، خاصة أن الحدث لم يعتمد على بيع التذاكر مسبقًا، مما عكس حجم الاهتمام الكبير بالبطولة.
وأشار إلى أن من المواقف اللافتة التي عكست شغف الجمهور، كان حضور أحد المشجعين منذ العاشرة صباحًا، قبل فتح الأبواب بساعات، خوفًا من الازدحام؛ مما أظهر تعطش المجتمع السعودي لمثل هذه الفعاليات، حيث برهنت هذه البطولة على وجود مجتمع مهتم بالرياضات الإلكترونية، ينتظر انطلاق مثل هذه الأحداث داخل المملكة، وهو ما عزّز الدافع للاستمرار في تطوير هذا القطاع وتنظيم المزيد من البطولات في المستقبل.
كلمات داعمة عكست مدى الجاهزية لهذا التحول
وتابع بأنه بعد الجهود الكبيرة والعمل المتواصل، جاءت لحظة حاسمة خلال أحد الاجتماعات، حيث بدأ النقاش حول ما تم تحقيقه حتى تلك المرحلة، فقد كان الهدف منذ عام 2017 هو التحول من موسم الجيمرز إلى كأس عالم للرياضات الإلكترونية، لكن عند مراجعة الإنجازات، طُرحت تساؤلات حول مدى الاستعداد الحقيقي لهذه الخطوة، حيث تمت مناقشة كيفية تأسيس بطولة لا يمكن منافستها عالميًا، والتأكد من حماية الملكية الفكرية للفكرة التي يجري العمل عليها، ورغم بعض التحفظات، كان هناك يقين متزايد بأن المشروع وصل إلى مرحلة متقدمة تستدعي الانتقال إلى مستوى عالمي.
وأضاف بأنه جاءت كلمات داعمة عكست مدى الجاهزية لهذا التحول، حيث أكّد ولي العهد أن لا أحد في العالم مستعد لدعم هذا القطاع كما هو الحال في المملكة، فنحن جاهزون لتنظيم مثل هذه الفعاليات الضخمة بفضل جهود الاتحاد وفريقه المختص، كما أشار إلى أن ما تم تحقيقه وضع السعودية في موقع ريادي على الساحة الدولية، حيث أصبحت مركزًا عالميًا للرياضات الإلكترونية، فلم يكن هذا الإدراك نهاية الرحلة، بل كان بمثابة نقطة انطلاق لمرحلة جديدة، حيث بدأ الفريق في رسم ملامح المستقبل بخطى واثقة نحو التميز العالمي.
وفي معرض حديثه عن التحديات، أقرّ الأمير فيصل بن بندر أن التحدي الأول الذي واجه القطاع تمثّل في البنية التحتية، وتحديدًا في مسألة الخوادم (السيرفرات)، فعلى الرغم من توفر الإنترنت السريعة في المملكة، إلا أن جميع خوادم الألعاب كانت تقع في أوروبا وأمريكا وآسيا؛ مما أثر بشكل كبير على استجابة الألعاب الإلكترونية. حيث يعتمد الأداء التنافسي في الرياضات الإلكترونية على ما يُعرف بـ “البينغ”، وهو زمن الاستجابة بين اللاعب والخادم، والذي يجب أن يكون أقل من 40 ميلي ثانية لضمان تجربة لعب سلسة. في المقابل، كان البينغ في السعودية يتجاوز 150 ميلي ثانية بسبب بُعد الخوادم؛ مما جعل المنافسة غير متكافئة؛ إذ كان اللاعبون المحليون يواجهون تأخيرًا يمنعهم من تحقيق أداء جيد، حتى عند اللعب داخل المملكة؛ لأن الإشارات كانت تُرسل إلى الخوادم البعيدة وتعود، مما يزيد من زمن الاستجابة.
اختيار 10 ألعاب إلكترونية لقياس جودة الشبكة
وأكّد أنه لمواجهة هذه المشكلة، تم التنسيق مع وزارة الاتصالات والعمل على استقطاب الشركات العالمية لإنشاء خوادم محلية في السعودية، حيث وُقعت اتفاقيات مع شركات الاتصالات الكبرى مثل STC وموبايلي وزين لضمان استضافة الخوادم داخل المملكة؛ مما أدى إلى تحسين سرعة الاستجابة بشكل كبير، كما تم إطلاق وضع خاص أُطلق عليه “Game Mode”، وهو نظام محسّن يساعد على تحسين تجربة اللعب عبر تقليل زمن الاستجابة، وجعل المنافسة أكثر عدالة للاعبين السعوديين.
فيما بيّن رئيس الاتحاد أن التحدي الثاني تمثّل في القوانين، حيث كانت مسؤولية تنظيم البطولة تقع على عاتق هيئة تنظيم الإعلام، والتي كانت تُعرف سابقًا بـ “جي كام”، والتي كانت تركّز آنذاك على الأفلام والتلفزيون والراديو دون أن تكون هناك لوائح واضحة للألعاب، حيث أدّى هذا الغموض القانوني إلى انتشار الأسواق غير الرسمية، سواء السوق السوداء أو الرمادية؛ مما جعل شركات الألعاب غير مهتمة بالسوق السعودي عبر الإنترنت أو ببيع منتجاتها بشكل رسمي، إذ كانت تُباع بطرق غير منظمة خارج إطارهم.
وعلّق محافظ هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية د. محمد التميمي على هذه التحديات، بأنه تم العمل على تهيئة شبكة الاتصالات لتكون مهيأة بشكل كامل لخدمة التطبيقات المتخصصة، بما في ذلك الألعاب الإلكترونية، حيث أُطلقت مبادرة “Game Mode” واختيار 10 ألعاب إلكترونية لقياس جودة الشبكة ومدى كفاءتها في تقديم تجربة لعب سلسة، فقد أظهرت النتائج الأولية أن مستوى الأداء كان أقل من التوقعات؛ مما دفع الجهات المنظمة إلى منح شركات الاتصالات مهلة لمدة عام لتحسين الأداء، كما تم الإعلان عن “جائزة القيم” لتحفيز الشركات على تطوير خدماتها، حيث لم تكن هيئة الاتصالات هي الجهة التي قدمت الجائزة، بل تم منحها من قبل سمو الأمير فيصل بصفته رئيس اتحاد الرياضات الإلكترونية؛ مما عزز من أهمية الرياضات الإلكترونية كقطاع حيوي في المملكة.
وأشار د. التميمي إلى أنه تم تحقيق تقدم ملحوظ في تحسين البنية التحتية الرقمية، حيث أدى الوضوح في متطلبات هيئة الاتصالات واتحاد الرياضات الإلكترونية إلى تحديد الاحتياجات الدقيقة وتطوير الحلول المناسبة. وعلى الرغم من مواجهة شركات الاتصالات تحديات تقنية لم تكن متوقعة، لكن النتائج النهائية فاقت التوقعات، فقد تم تقليل زمن الاستجابة أو “البينغ” بين اللاعبين والخوادم بنسبة تجاوزت 83%، وهو إنجاز كبير انعكس بشكل إيجابي على مجتمع الرياضات الإلكترونية، حيث شعر اللاعبون بتحسن ملحوظ في الأداء خلال فترة زمنية تقل عن 24 شهرًا؛ مما جعل المملكة واحدة من الدول الرائدة في تحسين البنية التحتية للألعاب الإلكترونية.
بدوره، أكّد وزير الرياضة الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل أن ولي العهد كان حريصًا على استقطاب أكبر عدد من المشاركين، ورغم تحفظ إحدى الشركات وتخوفها من مستوى التنظيم في السعودية، أصر على الاجتماع بمسؤوليها لطمأنتهم، فقد كانت مخاوفهم تدور حول سمعة علامتهم التجارية ومدى نجاح الحدث؛ مما شكل تحديًا كبيرًا، لكن من خلال لقائه مع ملاك الشركة ومطوريها، تمكن من تغيير وجهة نظرهم، وبعد إطلاق النسخة الخاصة بلعبتهم، أصبحوا أكثر انفتاحًا على التعاون والمشاركة الكاملة في الحدث.
توفير الألعاب بنسبة 90% في السوق السعودي
فيما لفت وزير الإعلام سلمان الدوسري إلى أن المشكلة الأساسية في سوق الألعاب الإلكترونية كانت تتعلق بالتصنيف العمري، حيث تخضع آلاف الألعاب لمعايير تصنيفية تشرف عليها الهيئة العامة لتنظيم الإعلام، إلا أنه في بعض الحالات، كان مجرد عدم استيفاء معيار واحد يؤدي إلى رفع التصنيف العمري من 12 سنة إلى 18 سنة أو أكثر؛ مما جعل العديد من الألعاب غير متاحة لشريحة واسعة من المستخدمين، حيث تبيّن مع التنسيق مع الجهات المختصة وجود مشكلتين رئيسيتين: الأولى أن منع اللعبة داخل المملكة لا يمنع اللاعبين من شرائها عبر أسواق خارجية والوصول إليها بسهولة، والثانية أن هناك تسربًا اقتصاديًا كبيرًا بسبب خروج عمليات الشراء إلى خارج المملكة.
وأضاف الدوسري بأنه لحل هذه الإشكالية، تم اتباع نهج أكثر دقة، حيث تم تحديد العناصر التي قد تستوجب المنع داخل الألعاب، والتي غالبًا ما كانت تشكل أقل من 10% من المحتوى، بدلاً من حظر اللعبة بالكامل، كما تم فتح قنوات تواصل مباشرة مع الشركات المطورة للألعاب؛ مما أسفر عن استجابات إيجابية من معظمها. ونتيجة لذلك، أصبح أكثر من 90% من الألعاب متاحة رسميًا في السوق السعودي، مما ساهم في الحد من التسرب الاقتصادي وضمان شراء الألعاب من داخل المملكة بدلاً من الأسواق الخارجية.