
منحت المادة «80» من القانون رقم «61» لسنة 1976 بإصدار قانون التأمينات الاجتماعية، لمجلس الوزراء ـ وبشكل جوازي ـ الحق في منح معاش استثنائي لمن تنتهي خدمته بالتقاعد أو بالاستقالة أو بعدم التجديد. حيث نصت على أنه: يجوز بقرار من مجلس الوزراء منح معاشات أو مكافآت استثنائية للمؤمّن عليهم وأصحاب المعاشات أو المستحقين عنهم أو لغيرهم من الكويتيين ولو كانوا من غير الخاضعين لأحكام هذا القانون».
ومع عدم الإخلال بما يقرره المجلس من أحكام خاصة تسري على هذه المعاشات والمكافآت الاستثنائية أحكام هذا القانون.
وقد نظم المجلس ضوابط ومعايير منح المعاش الاستثنائي لشاغلي الوظائف القيادية وفق أحكام المادة (80) سالفة الذكر.
واستمر صرف المعاش لمن مُنح هذا الإستحقاق، بشكل منتظم، حتى ثار مقترح بتعديل المعاشات الاستثنائية الممنوحة بقرارات من مجلس الوزراء استناداً للمادة (80) المذكورة سلفاً.
– وقد أثار هذا الاقتراح الجدل والتساؤل حول مشروعية هذا التعديل ـ إن حدث ـ بعد أن استقرت المراكز القانونية لأصحاب المعاشات الاستثنائية، وأصبحت هذه المعاشات حقاً مكتسباً لهم، وانتشر اللغط حول ما يطلق عليه الحق المكتسب وتعريفه، وإن كان المعاش الاستثنائي الممنوح وفقاً للمادة «80» يندرج تحت مظلة هذه الحقوق المكتسبة من عدمه.
العسعوسي: الأصل في القوانين عدم رجعيتها وهذا المبدأ ضروري لكفالة حريات الأشخاص والثقة في القانون وتوفير الاستقرار في المجتمع
وفي دراسة قانونية أعدها لـ «الجريدة»، قال المحامي بسام العسعوسي، من جانبنا ـ في محاولة بسيطة ـ فإننا نحاول فكّ الاشتباكات ووقف اللغط حول هذا الأمر، وهو ما يدفعنا إلى البحث للوقوف على المقصد من الحقوق المكتسبة، ولا ندعي السبق في هذا الدرب، فالاجتهاد حول تعريف الحقوق المكتسبة قديم ومتكرر، بتجدد المسببات.
والبحث عن تعريف الحقوق المكتسبة ظهر كأثر مباشر لظهور مبدأ عدم رجعية القانون على الماضي.
فتطبيق القانون الجديد على مركز قانوني اكتمل في ظل القانون السابق يمثل حقاً مكتسباً محصناً، يعد سرياناً على الماضي، إذ يخضع هذا المركز القانوني للقانون القديم.
وهنا يستلزم الأمر أن نتطرق إلى ماهية الحق المكتسب عبر تعريفه وتمييزه من مجرد الأمل، فضلاً عن التطرق إلى مفهوم المراكز القانونية، ومدى ارتباط فكرة المركز القانوني بالحق المكتسب، وذلك على النحو الآتي:
الحق المكتسب هو مركز قانوني بموجبه تتحصن المنفعة بسند قانوني من الإلغاء أو التعديل
الحق المكتسب
للحق المكتسب العديد من التعريفات، لا مجال لسردها، لكن نقتصر على تعريفه بأنه: «مركز قانوني بموجبه تتحصن المنفعة التي حصل عليها الشخص، بسند قانوني، من الإلغاء أو التعديل».
المركز القانوني والتحصين
ويقصد بالمركز القانوني هو مجموعة من الحقوق والالتزامات التي يتمتع أو يتحمل بها شخص معين.
أما التحصين فهو الحماية القانونية للحق من المساس به إلغاء أو تعديلاً، وتشمل المنفعة كلاً من المنفعة المادية والمعنوية.
والمراكز القانونية على نوعين:
أولاً: المراكز القانونية النظامية، ويطلق عليها المراكز القانونية الموضوعية أو التنظيمية للدلالة على عمومية مضمون هذه المراكز، وتتميز بأن مضمونها واحد ومتجانس لجميع الأشخاص الذين تتوافر فيهم الشروط القانونية لاكتسابها، لأن مضمون المراكز القانونية محدد بإجراء قانوني عام كالقوانين والأنظمة والتعليمات.
ثانياً: المراكز القانونية الفردية ويطلق عليها المراكز القانونية الشخصية للدلالة على طابعها الشخصي، وبهذا تتميز هذه المراكز بأن مضمونها واحد ومختلف من شخص لآخر.
والأثر الذي يترتب على هذين النوعين من المراكز هو أن المراكز النظامية يجوز تعديل مضمونها، لأن هذه المراكز تستمد وجودها من القوانين والأنظمة والتعليمات التي تحدد فحواها، لهذا تؤدي القوانين والأنظمة والتعليمات إلى تعديل مضمون هذه المراكز، وسريان هذا التعديل على جميع الأشخاص الذين يشغلونها دون إمكانية الاحتجاج بفكرة الحقوق المكتسبة، بينما لا تتأثر المراكز الشخصية بتعديل القوانين أو الأنظمة أو التعليمات وإلغائها، لأن مضمون هذه المراكز محدد بصورة فردية وليس بإجراءات قانونية عامة، ولهذا فإن المراكز الشخصية غير قابلة للمساس بها.
الأساس القانوني للحقوق المكتسبة
أولاً: الاعتبارات القانونية والمنطقية: تعد الاعتبارات القانونية أساساً تستند إليه مؤسسات الدولة، التشريعية والتنفيذية والقضائية، في الأخذ بفكرة الحقوق المكتسبة، إذ لا يعقل أن تكون التصرفات التي تمت وفق قانونها مجرد لغو أو عديمة الفائدة، ولا يمكن إغفال حجم الأضرار المترتبة على إهدار تلك التصرفات.
على الإدارة مراعاة الحقوق المكتسبة للأفراد وعدم إصدار أي قرار يتعارض مع قرارات إدارية سابقة تولد عنها حقوق للأفراد
أما الاعتبارات المنطقية فيقضي المنطق السليم بألا تلغى التصرفات التي يقوم بها الأشخاص، والتي رتبت حقوقاً اعترف بها القانون.
ثانياً: مبادئ العدالة ومبدأ استقرار المراكز القانونية: وتقضي العدالة بعدم حرمان الشخص من حق اكتسبه في الزمان الماضي، ويقضي مبدأ استقرار المراكز القانونية بضرورة عدم بقاء المراكز القانونية مهددة إلى ما لا نهاية.
ثالثاً: الدساتير والقوانين: نجد الأساس القانوني للحق المكتسب في دستور دولة الكويت الصادر عام 1963.
حيث تنص المادة (179) من الدستور على:
«لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبل هذا التاريخ. ويجوز، في غير المواد الجزائية، النص في القانون على خلاف ذلك بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس الأمة».
ويتبين أن الأساس القانوني لقاعدة الحق المكتسب يتأكد في هذا المبدأ الدستوري الذي قرر أصلاً عاماً ينص على عدم جواز رجعية القوانين، لأن القول بغير ذلك يعني المساس بالحقوق المكتسبة التي حصل عليها أصحابها في ظل القوانين السابقة.
فالأصل هو عدم رجعية القوانين، ويلاحظ أن هذا المبدأ ضروري لكفالة حريات الأشخاص، وضمان الثقة في القانون، وتوفير الاستقرار والنظام في المجتمع.
أما في القانون (م 3 من القانون المدني) فقد يأتي ويؤكد فكرة عدم جواز المساس بالحقوق المكتسبة حيث تنص على:
1 – يسري القانون الجديد على كل ما يقع من تاريخ العمل به، ما لم ينص على خلافه.
2 – ومع ذلك تبقى آثار التصرفات خاضعة للقانون الذي أبرمت تحت سلطانه، ما لم تكن أحكام القانون الجديد متعلقة بالنظام العام فتسري على ما يترتب منها بعد نفاذه.
ويتضح أن هذا النص يشير بصورة صريحة إلى مبدأ عدم جواز رجعية القانون على الماضي، ومن مفهوم هذا النص فإن الأصل هو عدم جواز الرجعية لأن في الرجعية مساساً بالحقوق المكتسبة التي اكتسبت في ظل القانون السابق، إلا أنه يرد على هذا الأصل استثناءات وهي ليست مطلقة، إذ تقيدها بعض الدساتير بوجوب موافقة أغلبية معينة لتمرير مثل هذه النصوص القانونية (المادة 179 من الدستور الكويتي)، وهذا يدل على رغبة المشرع في المحافظة على الاستقرار سواء على مستوى النص القانوني أم ما يعكسه تطبيق هذا النص من استقرار في العلاقات القانونية بين الأشخاص.
التزام الإدارة باحترام الحقوق المكتسبة
على الإدارة أن تراعي الحقوق المكتسبة للأفراد، وعليه عندما تصدر الإدارة قراراً يتعارض مع قرارات إدارية سابقة التي تولد عنها حقوق للأفراد فإنه لا يجوز لها من حيث المبدأ إلغاؤها، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
كأن تصدر الإدارة قراراً تنظيمياً يتعارض مع قرار تنظيمي سابق أو قرارات فردية سابقة صدرت عنها، في مثل هذه الأحوال تسري أحكام القرار التنظيمي أو الفردي بأثر مباشر ولا يمس ذلك ما سبق من قرارات تطبيقاً لمبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية.
وعلى سبيل المثال فإنه لا يمكن لقرار، وإن صدر من جهة إدارية أعلى، أن يلغي قراراً لجهة إدارية أدنى إذا تعلق بهذا الأخير حق مكتسب للأفراد، كما أنه لا يجوز أيضاً أن يمس القرار التنظيمي الحقوق المكتسبة الناشئة بموجب قرار فردي.
«التمييز» اعتبرت ان القرارات التي تولد حقاً أو مركزاً شخصياً للأفراد لا يجوز سحبها متى صدرت سليمة
وقد أيدت محكمة التمييز هذا الاتجاه حيث قضت بأن:
القرارات التي تولد حقاً أو مركزاً شخصياً للأفراد لا يجوز سحبها في أي وقت متى صدرت سليمة، وذلك استجابة لدواعي المصلحة العامة التي تقضي استقرار تلك الأوامر، أما بالنسبة للقرارات الفردية غير المشروعة فالقاعدة عكس ذلك، إذ يجب على جهة الإدارة أن تسحبها التزاماً منها بحكم القانون وتصحيحاً للأوضاع المخالفة له، إلا أن دواعي المصلحة العامة أيضاً تقضي أنه إذا صدر قرار فردي معيباً من شأنه أن يولد حقاً فإن هذا القرار يجب أن يستقر عقب فترة معينة من الزمن بحيث يسري عليه ما يسري على القرار الصحيح الذي يصدر في الموضوع ذاته.
العسعوسي: «الفتوى» أكدت عدم جواز سحب أو تعديل قرارات منح المعاشات الاستثنائية للقياديين التي سبق منحها بموجب قرار مجلس الخدمة المدنية رقم 4 لسنة 2019
وقد استقر الرأي على تحديد هذه الفترة بستين يوماً من تاريخ نشر القرار أو إعماله قياساً على مدة الطعن القضائي بحيث إذا انقضت هذه الفترة اكتسب القرار حصانة تعصمه من أي إلغاء أو تعديل ويصبح عندئذ لصاحب الشأن حق مكتسب فيما تضمنه القرار، وكل إخلال بهذا الحق بقرار لاحق يعد أمراً مخالفاً للقانون يعيب القرار الأخير ويبطله، إلا أن ثمة استثناءات من موعد الستين يوماً هذه تتمثل أولاً فيما إذا كان القرار المعيب معدوماً أي لحقت به مخالفة جسيمة للقانون تجرده من صفته كتصرف قانوني لتنزل به إلى حد غصب السلطة وتنحدر به إلى مجرد الفعل المادي المنعدم الأثر قانوناً ولا تلحقه أي حصانة، وثانياً فيما لو حصل أحد الأفراد على قرار إداري نتيجة غش أو تدليس من جانبه، إذ إن الغش يعيب الرضاء ويشوب الإرادة، والقرار الذي يصدر من جهة الإدارة نتيجة هذا الغش والتدليس يكون غير جدير بالحماية بهذه الأحوال الاستثنائية التي توجب سحب القرار دون التقيد بموعد الستين يوما فتصدر جهة الإدارة قرارها بالسحب في أي وقت كان حتى بعد فوات هذا الموعد.
(طعن رقم 214 لسنة 1999 (تجاري إداري-1) جلسة 26 يونية سنة 2000)
ومن الجدير بالذكر:
أن إدارة الفتوى والتشريع أكدت، في كتابين بتاريخ 6 و21 فبراير 2023، تضمنا إفادتها ورأيها بالموضوع، أنه لا يجوز سحب أو تعديل قرارات منح المعاشات الاستثنائية للقياديين التي سبق منحها بموجب قرار مجلس الخدمة المدنية رقم 4 لسنة 2019.
وأضافت أنه يجوز توحيد فئات منح المعاشات الاستثنائية التي سبق منحها للقياديين والوزراء أو وضع سقف قيمي، وذلك من دون تخفيض قيمة هذه المعاشات.
ولما كان المعاش الإستثنائي، لأحد الأفراد، الصادر بقرار من مجلس الوزراء استناداً للمادة (80) سالفة الذكر، يولد حقاً مكتسباً لهذا الفرد وقد أنشأ له مركزاً قانونياً مستقراً وقد تحصن، فإنه يجب عدم المساس به سحباً أو تعديلاً أو إلغاءً.
خلاصة القول:
«ولئن كان من المقرر أن مركز الموظف العام بالنسبة إلى ما يتعلق بعلاقته الوظيفية هو مركز تنظيمي عام، يجوز تغييره وتعديله في أي وقت، بموجب القوانين واللوائح، إلا أنه يعد – بالنسبة لما استحق له من حقوق مالية في مركز قانوني ذاتي، يولد له حقوقاً مكتسبة لا يجوز المساس بها، ولا يقف حائلاً دون الوفاء بهذه الحقوق، ما قد تتعلل به جهة الإدارة من عدم وجود الاعتماد المالي أو نفاده، ذلك أن توفير الاعتمادات المالية هو مسؤوليتها وواجبها».
طعن رقم 1257 لسنة 2005 (إداري) جلسة 27 فبراير سنة 2007
أي أنه لا يجوز سحب أو تعديل أو إلغاء القرارات التي تولد حقاً أو مركزاً شخصياً للأفراد في أي وقت متى صدرت سليمة، أما القرارات غير المشروعة فإنه يجب على الإدارة سحبها إلا أنها تتحصن بفوات ستين يوماً من تاريخ نشرها أو إعلانها.
قرار تخفيض المعاشات الاستثنائية… والفئات المستفيدة منها
اطلع مجلس الوزراء خلال اجتماعه الاسبوعي في 13 مارس الماضي، على مقترح وزيرة المالية وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار نورة الفصام بتخفيض المعاشات الاستثنائية الصادرة بناء على أحكام المادة «80» من قانون التأمينات الاجتماعية حيث جاء هذا المقترح في ضوء المراجعة الشاملة لمواطن الهدر بالميزانية وترشيداً للإنفاق وتطبيقاً لقواعد العدالة بين الخاضعين لنظام التأمينات الاجتماعية لاسيما المادة «80» التي أجازت لمجلس الوزراء منح معاشات ومكافآت بشكل استثنائي مما أخل بمبدأ العدالة والمساواة بين الوظائف المتماثلة.
وقرر مجلس الوزراء تكليف الفصام التنسيق مع ديوان الخدمة المدنية والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والمضي قدما في اتخاذ الإجراءات الواجب اتباعها لتنفيذ هذا المقترح.
وفي بيان لمجلس الوزراء اعتبر ان المعاشات الاستثنائية تجاوزت الغرض الأصلي الذي شرعت من أجله مما كان له أثره البالغ والمكلف بما حملته للخزانة العامة من مبالغ كبيرة، وأدى إلى الإخلال بمبدأ المساواة بين المستفيدين، وأصبح لزاماً وضرورياً إعادة النظر في هذه القرارات من منطلق حرص الدولة على تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان ترشيد الإنفاق.
وتختلف المعاشات الاستثنائية من حالة لأخرى، فأقل معاش استثنائي يحصل عليه المستفيد شهرياً هو 3 دنانير، بينما هناك آخر يحصل على نحو 9.9 آلاف دينار شهرياً، ويستفيد من المادة 80 من قانون التأمينات الاجتماعية نحو 13 فئة. والفئات المستفيدة هي الوزراء، والنواب، وأعضاء المجلس الوطني للثقافة، وأعضاء المجلس البلدي، والقضاة ورؤساء المجلس الأعلى للقضاء، وقياديو مؤسسة البترول، والموظفون والمديرون والمراقبون وقياديو الديوان الأميري، وديواني سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، والأمانة العامة لمجلس الوزراء، وقياديو الجهات الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة، وأعضاء السلك الدبلوماسي، والمختارون، والمحافظون، والاستعانة بخبرات، وبعض الحالات الفردية.