
بناء مجتمع متشبث بقيمه معتز بموروثاته متسلح بأحدث العلوم والتقنيات
تحولات تاريخية وغير مسبوقة في مختلف المجالات، شهدتها المملكة في السنوات التي مضت من عمر رؤية السعودية 2030، والتي كانت نموذجا يحتذى به في بناء مجتمع مُتمكّن رصين ينبض بالحياة، متشبث بقيمه، معتز بموروثاته، متسلح بأحدث الأساليب والأدوات التقنية والعلمية، مشارك بكل فئاته وعلى رأسهم المرأة في صناعة نهضته وتنميته المستدامة والارتقاء بجودة حياته.
تمكين لم يأت من فراغ، ولكنه استند إلى مجموعة مبادرات صقلت الكفاءات، يقف في ظهرها اقتصاد متنوع مزدهر وقطاع خاص قوي، وقطاع غير ربحي مستشعر للمسؤولية الاجتماعية، وتعليم طوّر المواهب وسطر إنجازات عالمية ملهمة، قاد إلى انخفاض تاريخي للبطالة وإلى جودة حياة تنافس المعدلات العالمية وتفوقها في أحيان كثيرة، وهو ما يبدو في قطاعات مهمة مثل الصحة والإسكان، وفي مؤشرات عديدة مثل معدل وفيات الحوادث المرورية، وثقافة النشاط البدني، وغيرها.
سوق عمل قوية وبطالة في أدنى مستوياتها تاريخيا
ولأن التقدم في خفض معدلات البطالة هو من أهم المظاهر التي يمكن من خلالها قياس مدى تمكين المجتمع، فإن الأرقام خير دليل على ذلك، حيث أظهرت البيانات الرسمية انخفاض معدل البطالة بين السعوديين إلى 7% في الربع الرابع 2024، لتسجل أدنى مستوى تاريخي وتحقق بذلك مستهدف رؤية 2030، فيما سجل معدل البطالة الإجمالي بين السكان (سعوديين وغير سعوديين) 3.5%، بينما ارتفع معدل التوطين في الوظائف عالية المهارات إلى نحو 40%، كما بلغ حجم مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي 1.7 تريليون ريال.
مشاركة مثمرة للمرأة
مع الرؤية، لم يكن تمكين المرأة خيارًا، بل واقعًا يعكس طموح المملكة في بناء مجتمع حديث، حيث ارتفعت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 17% عام 2017 إلى 36% في 2024، متجاوزة التوقعات، ومحققة نجاحًا يعكس الإرادة الحقيقية للتغيير، إذ أصبحت المرأة السعودية اليوم فاعلة في مختلف الميادين، ومسجلة إنجازات غير مسبوقة جعلتها نموذجًا عالميًا يُحتذى به، إذ ارتفعت أيضا نسبة مشاركة المرأة في المناصب الإدارية المتوسطة والعليا إلى 43.8% بينما المستهدف هو 30.3%.
تجربة إسكان ناجحة وقطاع عقاري وجهة للاستثمار العالمي
في قطاع الإسكان، تشير الأرقام إلى أن رؤية 2030 أحدثت تحولا كبيرا بهذا القطاع بعد أن حققت ارتفاعاً في نسبة تملك الأُسر للمساكن إلى 65.4%، خلال عام 2024، والاتجاه بشكل أكثر نحو الرقم المستهدف 70% بنهاية العقد الحالي، ووصل عدد الأسر السعودية التي استلمت منازلها 850 ألف أسرة، وإجمالي القروض العقارية القائمة للأفراد 834.7 مليار ريال.
وتم ترخيص وإطلاق أكثر من 205 آلاف وحدة سكنية من مشاريع البيع على الخريطة خلال 2024، وتسليم ما يزيد على 60 ألف وحدة سكنية، وإتاحة 165 ألف قطعة أرض عبر منصة “سكني”، لتمكين المستفيدين من بناء مساكنهم وفق احتياجاتهم المستقبلية.
ولتعزيز المسؤولية الاجتماعية والتكافل المجتمعي؛ انطلق برنامج الإسكان التنموي الذي يهدف لتوفير حلول سكنية للأسر الأكثر حاجة بمشاركة من القطاعين العام والخاص، حيث جرى توفير أكثر من 19 ألف وحدة سكنية للأُسر الأشد حاجة، بمساهمة من القطاعين الخاص وغير الربحي تجاوزت ملياري ريال.
وبفضل الرؤية ومشاريعها أيضا، أصبح القطاع العقاري وجهة للاستثمار العالمي مع تزايد اهتمام المستثمرين الدوليين بالفرص الواعدة في القطاع العقاري السعودي وقوة تشريعاته، إذ بلغت مساهمة القطاع في الناتج المحلي 12%، فيما سجَّلت القروض العقارية المقدمة من المصارف التجارية للأفراد والشركات نموًا كبيرا وبلغت وفق أحدث إحصاءاتها 846.4 مليار ريال.
أفضل تحول صحي في العالم
القطاع الصحي حظي هو الآخر بحظ وافر من خطط ومبادرات الرؤية، لا سيما ما يتعلق برقمنة القطاع، وذلك ضمن الجهود الرامية إلى تسهيل الوصول إلى الخدمات الصحية، حيث جرى إتمام المرحلة الأولى من تحول القطاع الصحي، بإطلاق 20 تجمعاً صحياً في مختلف مناطق المملكة، إذ يعد هذ التحول بشهادة الكثير من الخبراء أفضل تحول في العالم.
وشهد هذا التحول نتائج مبشّرة وإنجازات صحية ورقمية، منها انخفاض وفيات الحوادث المرورية إلى النصف، بالإضافة إلى ارتفاع متوسط عمر الإنسان المتوقع من 74 سنة في 2016 إلى 78.8 سنة في 2024، والعمل على وصوله إلى 80 سنة بحلول عام 2030، وانخفض معدل الوفيات المبكرة بسبب الأمراض المزمنة بنسبة 40%، كما تم إعلان بدء المرحلة الثانية من التحول الصحي بعزيمة وإرادة عنوانها “الجودة”.
كما استفاد من تطبيق “صحتي” أكثر من 31 مليون مستفيد، عبر 49 خدمة مقدمة في التطبيق، وحُجز عن طريقه 10 ملايين موعد، وجرت من خلاله 3 ملايين استشارة فورية، وأطلقت تقنية التوأم الرقمي للتنبؤ المبكر بخطر إصابة الفرد والحصول على توصيات وقائية.
جرى إطلاق مشروع خدمة “طبيب لكل أسرة” لتقديم الرعاية الصحية والوقائية والعلاجية، حيث رُبط 20 مليون مستفيد بفريق طبي لكل أسرة.
ولا يمكن إغفال الدور الكبير لمستشفى صحة الافتراضي الذي تم تسجيله في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، كأكبر مستشفى افتراضي يقدم خدمات الرعاية الصحية الافتراضية على مستوى العالم، إذ يُوفر خدماته الصحية عن بُعد لأكثر من 200 مستشفى في تخصصات دقيقة ونادرة، مما يُسهم في تحسين جودة الحياة لسكان المملكة.
التطور في القطاع الصحي يتجلى أيضا عند العلم أن إجمالي عدد المشتركين في وثائق التأمين الصحي كافة بلغ 13 مليون مشترك بنهاية 2024، كما تضم المملكة أكبر عدد مدن صحية معتمدة في المنطقة بـ16 مدينة صحية في مختلف مناطق المملكة.
التعليم ورعاية الموهوبين أساس النهضة
ولأن التعليم ورعاية الموهوبين هو أساس نهضة أي شعب، فقد أولت رؤية 2030 رعاية خاصة لهذا القطاع، وهو ما جنت المملكة ثماره، حيث حصد الطلبة الموهوبون المشاركون في الأولمبيات والمنافسات العلمية الدولية 119 جائزة دولية من 25 أولمبياد ومسابقة عالمية، خلال عام 2024، مما رفع إجمالي الجوائز التي حصلت عليها المملكة إلى 854 جائزة، وهي إنجازات تبرهن الجهود المُشتركة للمؤسسات التعليمية والخاصة التي تقودها وزارة التعليم بالتعاون مع مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع “موهبة” وأكاديمية طويق ومدارس مسك.
وصنفت المملكة ضمن أفضل 5 دول عالميا في أكبر مسابقات العلوم، حيث حصدت 138 جائزة عالمية في الاختراع و 16 ميدالية برونزية في نشاطات تقنية الروبوت، وحقق فريق جامعة البترول والمعادن المركز الأول عالميا في المسابقة الدولية للطائرات بدون طيار.
جودة الحياة.. حصاد السير على خط مستقيم
على مستوى جودة الحياة، سعت رؤية 2030 إلى مواكبة التغيرات الحضرية الحاصلة في المدن والعمل على تحويلها إلى مدن ذكية، ولعل أبرز المؤشرات على ذلك هو تصنيف 6 مدن سعودية ضمن المدن النابضة بالحياة، وهي الرياض ومكة والمدينة وجدة والخبر وحديثاً العلا، حيث جرى تصنيف التقنية والاستدامة للوصول إلى هذه النتيجة، فيما تستهدف المملكة أن يكون ما لا يقل عن 10 مدن سعودية ضمن أفضل 50 مدينة ذكية في العالم.
أما فيما يخص مؤشر رضا السكان عن المشهد الحضري في المدن، فتم تسجيل زيادة ملحوظة ببلوغه 86.25%، علاوة على تحقيق مؤشر الرضا عن الظروف المعيشية للوافدين نسبة 127%، ما يدلل على تغير معادلة جودة الحياة وتحولها في مختلف القطاعات، كما بلغت نسبة رضا المواطنين عن الخدمات البلدية 81%.
وفي إطار مبادرة أنسنة المدن ضمن برنامج جودة الحياة زاد نصيب الفرد من الساحات العامة إلى 6.16 متر مربع، متجاوزا المستهدف 4.65 متر مربع، كما تم تعزيز المسطحات الخضراء بإجمالي 8328 حديقة ومتنزها تغطي مساحة 161.5 مليون متر مربع، إلى جانب زراعة 24 مليون شجرة واستحداث 222.9 مليون متر مربع من المساحات الخضراء.
وفي مجال البنية التحتية الحضرية، أُنشئ 5515 ملعبا رياضيا، وزاد عدد المراكز الحضارية إلى 257 مركزا، مع تحسين ساحات مواقف السيارات التي بلغت 4449 موقفا، وتطوير 649 ميدانا احتفاليا.
أمن وأمان يحقق الطمأنينة
وعلى مستوى الشعور بالأمن، فقد حققت وزارة الداخلية نتائج مميزة في مؤشراتها لرؤية 2030 ضمن برنامج جودة الحياة، إذ ارتفعت مستويات الثقة في الخدمات الأمنية إلى 99.85% متجاوزة مستهدف 2030 البالغ 90%، كما انخفضت معدلات القتل العمد بتحقيق مؤشر “معدل حالات القتل العمد” لكل 100 ألف نسمة” إلى 0.77% محققاً مستهدف 2030.
وأسهمت الجهود التوعوية والضبطية للإدارة العامة للمرور، في خفض وفيات الحوادث المرورية على الطرق من 17.6 حالة لكل 100 ألف نسمة في 2018، إلى 12.3 حالة لكل 100 ألف في 2024.
كما أظهرت نتائج مؤشر الأمان، أن نسبة الذين يشعرون بالأمان من إجمالي السكان أثناء السير بمفردهم ليلًا في مناطق سكنهم بلغت 92.6%، لتتصدر المملكة دول مجموعة العشرين في هذا المؤشر، حسب بيانات الدول في قاعدة بيانات الأمم المتحدة لمؤشرات أهداف التنمية المستدامة.
المسؤولية الاجتماعية هدف استراتيجي في الرؤية
القطاع غير الربحي كان هو الآخر من الأعمدة الأساسية لرؤية المملكة 2030، لا سيما مع شهادة القاصي والداني بحب السعوديين للعمل التطوعي، وهو ما أكدته الأرقام أيضا، فبينما سعت الرؤية إلى زيادة مساهمة القطاع في إجمالي الناتج المحلي إلى 5% ورفع عدد المتطوعين إلى مليون متطوع ومتطوعة بحلول عام 2030، فإن هذا المستهدف تحقق بالفعل وتم تجاوزه في عام 2024 أي قبل 6 سنوات من موعد استحقاقه، كما بلغ عدد المسجلين في المنصة الوطنية للعمل التطوعي 2.1 مليون متطوع بالإضافة إلى أكثر من 6 آلاف جهة حكومية وغير ربحية مسجلة بالمنصة.
المملكة حققت أيضا المرتبة الـ16 عالميًا في مؤشر المسؤولية الاجتماعية في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية IMD لعام 2024، لتتقدم من المرتبة الـ41 التي احتلتها عام 2021م، بينما نمت نسبة مساهمات الشركات من إجمالي الإنفاق الاجتماعي من 1.19% في عام 2019 إلى 4.15%، وارتفعت نسبة الشركات الكبرى التي تقدم برامج ومبادرات للمسؤولية الاجتماعية من 30% في عام 2019 إلى 65%.
أرقام عالمية غير مسبوقة في التحول الرقمي
ولما كان التحول الرقمي عاملًا رئيسيًا في تحقيق جودة الحياة، فقد حققت المملكة إنجازًا رقميًّا غير مسبوق بتقدمها 25 مرتبة في مؤشر الأمم المتحدة لتطور الحكومة الإلكترونية 2024، لتحتل المرتبة السادسة عالميًا، والثانية بين دول مجموعة العشرين، وأول دولة من الشرق الأوسط تحقق هذا المركز المتقدم.
إنجازات رياضية تتحدث عن نفسها
وفي إطار تمكين المجتمع وتحقيق حياة رصينة مفعمة بالحيوية والنشاط، كان لا بد أن يكون القطاع الرياضي حاضرا وبقوة، وبالفعل حقق هذا القطاع قفزات نوعية غير مسبوقة على جميع الأصعدة، وهي قفزات لم تكن بمعزل عن أهداف رؤية 2030، التي سعت لتعزيز نمط حياةٍ صحي وبناء مجتمع مستدام ونشط.
فبالإضافة إلى الإنجازات المحلية والقارية واستضافة العديد من المسابقات العالمية، لم يشأ عام 2024 أن يسدل الستار، قبل أن يرسم لوحة نهائية شامخة بمجد رياضي عالمي، بإعلان استضافة المملكة لبطولة كأس العالم 2034 FIFA لتصبح أرضها وجهة لأكبر حدث كروي تاريخي في العالم، وهو إعلان توافق مع إعلان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان تأسيس “الهيئة العليا لاستضافة كأس العالم 2034” التي ستشرف على التخطيط والتنظيم لتقديم نسخةٍ تبهر العالم وتبرز إمكانات المملكة وقدراتها العالية.
وفي عام 2024م أيضا، بلغت نسبة ممارسي النشاط البدني لمن هم أكبر من سن 18 عاماً لأكثر من 150 دقيقة أسبوعياً 58.5%، أما نسبة ممارسي النشاط البدني لمن يبلغون سن 5 – 17 عاماً لمدة تزيد على 60 دقيقةً يومياً فبلغت 18.7%.
ولأن دعم المواهب جزء لا يتجزأ من أهداف الرؤية، لصناعة جيلٍ مميزٍ يرفع اسم المملكة في المحافل الدولية، فقد جرى العام الماضي أيضا تدشين مدرسة الموهوبين الرياضية في مقر أكاديمية مهد بالرياض؛ مما يمثل خطوة نوعية نحو تطوير الأجيال القادمة.