الاقتصاد

إسلام الضبع يكتب: توضيحات حول قرار النقابة العامة للمحامين بالامتناع عن الحضور أمام محاكم الجنايات

بشأن قرار النقابة العامة لمحامين مصر بالامتناع عن الحضور أمام محاكم الجنايات يومي 18/ 19 مايو الجاري، يهمنا أن نوضح الآتي:

فإن حق اللجوء إلى القضاء من الأمور الهامة التي لا يجوز للأشخاص التنازل عنها بصورة مطلقة، و يعد من أهم ضمانات حق اللجوء إلى القضاء ضمان مجانية التقاضي الذي من شأنه أن يسمح لكل فرد اللجوء إلى القضاء للمطالبة بحقوقه دون أن يكون الاعتبار المادي عائقا أمامه، حيث إن الانظمة المعمول بها غالبا ما تتطلب رسوما قضائية تصفها بالرمزية، بالاضافة إلى ما تتطلبه الدعوى القضائية من نفقات قد تثقل كاهل الأفراد فتجعلهم يفكرون مليا قبل اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالحماية القضائية لحقوقهم، وهو الأمر الذي يقوض مبدأ مجانية التقاضي.

إذ أن الإصرار على إصدار قرارات بزيادة الرسوم القضائية، أو رسوم الخدمات القضائية المتمثلة في استخراج الأوراق والشهادات، أو حتى فرض رسوم جديدة على مجرد تقديم الأوراق والمذكرات وحوافظ المستندات، أو استخراج صور رسمية من هذه الأوراق، بات يمثل عائقا جديدا أمام الحق في التقاضي والنفاذ إلى القضاء.

كما تمثل الزيادة المتكررة في الرسوم القضائية سواء كانت رسوم رفع الدعاوى أو رسوم مباشرة بعض الإجراءات من الأمور التعجيزية التي تثقل من مباشرة حق التقاضي ذاته وتشكل حائلا بين غالبية المواطنين المصريين والولوج لمرفق القضاء لاقتضاء حقوقهم عبر السبل الشرعية المرسومة بموجب الدستور.

كما أنه وفي ظل المتغيرات الشديدة والمتلاحقة التي تمر بها الدولة المصرية خاصة في السنوات الأخيرة والشعور بعدم الاستقرار وفقدان الأحساس بالأمان فإن القضاء المصري المحمل بالمشاكل والهموم المتمثلة في البطء الشديد في التقاضي والفصل في الدعاوي، وازدحام المحاكم وزيادة عدد القضايا وقلة عدد القضاة، تمثل قرارات زيادة الرسوم عبء جديد على عاتق المواطن يجعل من التفكير في حلقات التقاضي للبحث عن العدالة واقتضاء الحقوق بشكل مشروع وسيلة غير مأمونة سواء من حيث زيادة الرسوم بداية أو من خلال الرسوم التي تفرض بعد الفصل في الدعاوي.

إن المشروعية الدستورية غايتها أن تكون النصوص القانونية والقرارات الإدارية مطابقة لأحكام الدستور وتتبوأ هذه الشرعية قمة البنيان القانوني في الدولة.

وعلى الرغم من إنه من المقرر أن الحقوق التي كفلها الدستور ومنها حق التقاضى، وحق الدفاع، هى ليست حقوقا مطلقة، وإنما يجوز تنظيمها تشريعيا بما لا ينال من محتواها إلا بالقدر وفى الحدود التي ينص عليها الدستور.

إلا أنه لا يغير من ذلك القول بأن تلك القرارات تستهدف الخدمات المقدمة للمواطنين في مرفق القضاء واعمالا  لما يوجبه التحول الإلكتروني، فإن مواجهة الطلب والاستفادة من الثورة العلمية والتكنولوجية واستخدام أحدث الوسائل العلمية في تدعيم نظام المحاكم بالتطوير في عمل الجهات القضائية، فإن ذلك لا يكون إلا عن طريق تدخل المشرع بزيادة الرسوم القضائية لتقرير مساهمة المتقاضين إعمالا للشرعية وسيادة القانون.   

اقرأ أيضًا:  إخماد حريق داخل منزل فى أوسيم دون إصابات

لقد دأب رؤساء محاكم الاستئناف على مستوى الجمهورية على إصدار قرارات بتعديل الرسوم القضائية من آن لآخر، وأخر هذه القرارات ما صدر عن رئيس محكمة استئناف القاهرة بتعديل الرسوم القضائية و دخولها حيز التنفيذ فى 1 / 3 /2025، و تلا ذلك رفع مذكرة لمجلس رؤساء الاستئناف فى 5 / 4/ 2025 ثم صدور القرار رقم 28 لســ 2025 بتريخ 9 / 4 /2025 وذلك بالمخالفة للقانون والدستور، وحيث إنه قد صدر العديد من الأحكام من محاكم القضاء الإداري بخصوص قرارات رؤساء محاكم الاستئناف على مستوى الجمهورية بوقف تنفيذ وإلغاء هذه القرارات المتعلقة بزيادات في الرسوم القضائية بأشكال مختلفة، والتي لم تنفذ إلى هذه اللحظة.

و حيث إن القانون قد حدد أنواع الرسوم القضائية كما وضع آلية لحسابها، وحيث إنه في النظام القانوني المصري، فإن تعديل الرسوم القضائية يتم من خلال السلطة التشريعية، وهي البرلمان (مجلس النواب)، بناءً على اقتراحات من الحكومة أو أعضاء البرلمان، وهو يخضع لإجراءات تشريعية محددة، ويتم إصدارها في صورة قوانين أو قرارات جمهورية بعد موافقة البرلمان.

والمرجعية القانونية لتعديل الرسوم القضائية أو إقرار الجديد منها، هو الدستور المصري، حيث حدد الصلاحيات التشريعية للبرلمان والحكومة، وبما يضمن أن تكون تلك القوانين متوافقة مع المبادئ الدستورية، وذلك فى إطار (قانون الرسوم القضائية رقم 90 لسنة 1944 وتعديلاته آخر تعديل بالقانون رقم 126لســ 2009 – قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 – قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة 1968).

و هناك عدة ضوابط دستورية وقانونية يجب مراعاتها عند إقرار رسوم أو مصاريف قضائية جديدة أو عند تعديل القديم منها تتمثل في:

-المساواة أمام القانون، يجب أن تكون الرسوم القضائية عادلة وغير تمييزية.

-عدم الإخلال بحق التقاضي، يجب ألا تكون الرسوم مرتفعة لدرجة تعيق الوصول إلى العدالة.

-الشفافية، يجب أن تكون عملية تعديل الرسوم شفافة وخاضعة للمناقشة العامة.

وفي النظام القانوني المصري، لا يملك رؤساء محاكم الاستئناف أو أي جهة قضائية سلطة تعديل الرسوم القضائية، لأن ذلك يخضع بشكل كامل للسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية عبر قوانين أو قرارات جمهورية أو وزارية.

اقرأ أيضًا:  موعد الكلاسيكو والقنوات الناقلة

أما فيما يتعلق فى دور رؤساء المحاكم (بما فيهم رؤساء محاكم الاستئناف) فهم ليسوا جهة تشريعية، بل دورهم يتمثل في:

-تطبيق القانون كما هو مُقرّ من السلطة التشريعية.

-الإشراف الإداري على سير العمل بالمحكمة، مثل تنظيم دفع الرسوم وفقًا للتعليمات الواردة من وزارة العدل.

-تفسير النصوص القانونية المتعلقة بالرسوم في حال وجود غموضها، دون تعديلها.

و حيث إن دستور جمهورية مصر العربية الحالي نص في المادة “38” منه على أن: “بهدف النظام الضريبي وغيره من التكاليف العامة إلى تنمية موارد الدولة، وتحقق العدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية، ولا يكون إنشاء الضرائب العامة أو تعديلها أو إلغاؤها، إلا بقانون ولا يجوز الاعفاء منها إلا في الأحوال المبينة في القانون، ولا يجوز تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب أو الرسوم إلا في حدود القانون”.   

إن المشروعية الدستورية غايتها أن تكون النصوص القانونية والقرارات الإدارية مطابقة لأحكام الدستور وتتبوأ هذه الشرعية قمة البنيان القانوني في الدولة، حيث إنه من المقرر أن الحقوق التي كفلها الدستور ومنها حق التقاضى، وحق الدفاع، فإنها ليست حقوقا مطلقة، وإنما يجوز تنظيمها تشريعيا بما لا ينال من محتواها إلا بالقدر وفى الحدود التي ينص عليها الدستور، وحيث إن السبيل الوحيد لتقرير مساهمة المتقاضين في نفقات تسيير مرفق العدالة زيادة الرسوم القضائية المقررة في قوانين الرسوم القضائية والتوثيق والشهر أو صدور قانون بفرض الرسم.

و إذا كانت القرارات التي تصدر من رؤساء محاكم الاستئناف هي قواعد تنظيمية عامة بشأن تطبيق نظام الخدمة المميكنة بمحاكم الإستئناف والمأموريات والإدارات التابعة لها، إلا أنها موصومة بعدم المشروعية، حيث إنه لا يغير من ذلك القول بأن تلك القرارات تستهدف الخدمات المقدمة للمواطنين في مرفق القضاء واعمالا لما يوجبه التحول الإلكتروني، فإن مواجهة الطلب والاستفادة من الثورة العلمية والتكنولوجية واستخدام أحدث الوسائل العلمية في تدعيم نظام المحاكم بالتطوير في عمل الجهات القضائية، فإن ذلك لا يكون إلا عن طريق تدخل المشرع بزيادة الرسوم القضائية لتقرير مساهمة المتقاضين إعمالا للشرعية وسيادة القانون،

و حيث إن الأمر كذلك:

أولا: هناك العديد من الأحكام الصادرة من محاكم القضاء الإدارى على طول البلاد وعرضها بوقف تنفيذ و إلغاء القرارات السابق صدورها من رؤساء محاكم الاستئناف بزيادة أو فرض رسوم أو مصاريف قضائية جديدة ولم يتم تنفيذها حتى الآن.

اقرأ أيضًا:  المتهم بالشروع في قتل زميله يكشف تفاصيل الحادث

ثانيا: تصميم رؤساء محاكم الاستئناف على الاستمرار في إصدار مثل هذه القرارات بالمخالفة للدستور و القانون.

ثالثا: – صدور – مؤخرا ذات القرارات مما يطلق عليه مجلس رؤساء الاستئناف، وهو كيان غير قانوني ومخالف لقانون السلطة القضائية.

رابعا: ارتكاب جريمة التعسف فى الجباية ( جريمة الغدر ) المنصوص عليها في المواد 114 و 115 من قانون العقوبات.

خامسا: أن كافة القرارات الصادرة منذ آخر تعديل لقانون الرسوم القضائية والتوثيق بموجب القانون رقم 126 لســـ 2009، قد صدرت منعدمة.

و حيث إن النقابة العامة للمحامين اجتمع مجلسها فى بداية أزمة الرسوم القضائية و قرر الاتجاه لحل هذه الإشكالية تفاوضيا، إلا أن المفاوضات لم تأت بحل جذرى للأزمة.

وقد قررت النقابة العامة والنقابات الفرعية تصعيد الاعتراض على هذه القرارات بشكل حضاري، حيث اجتمع مرة أخرى وصدرت العديد من القرارات التصعيدية لمواجهة هذه الأزمة و التي لا تتعلق بتقليل مبلغ هذه الرسوم، ولكن بأزمة تشريعية أنها صدرت بالمخالفة للدستور والقوانين ذات الشأن.

و تم عقد مؤتمر صحفي، ثم اجتمعت النقابة العامة والنقابات الفرعية للمرة الثالثة، وتراوحت القرارات الصادرة عن هذه الاجتماعات ما بين وقفات احتجاجية والامتناع عن توريد الرسوم لخزائن محاكم الاستئناف ثم إعلان الإضرار الجزئي وانتهاءا بتحديد موعد للجمعية العمومية للمحامين يوم السبت الموافق 21 / 6 / 2025.

وفي ظل العناد الواضح بالتصميم على فرض هذه الرسوم بالقوة وبالمخالفة للدستور والقانون، فإننا نطالب  بالتدخل العاجل من مؤسسة الرئاسة لنزع فتيل هذه الأزمة التي تتفاقم وستتفاقم، وذلك للتجاهل غير المبرر أو المسبوق لمطالب المحامين المشروعة الدستورية والقانونية، وحيث إننا لا نرغب ولا نريد لأيما كان أن يستغل هذه الأزمة و يدفع فى اتجاه أمور لا يحمد عقباها ونأباها لصالح هذه الوطن.

وذلك بتطبيق آخر تعديل للقانون رقم 90 لســ 1944 والمعدل بالقانون رقم 126 لســ 2009، و إلغاء كافة قرارات زيادة الرسوم القضائية من كافة أنواعها من تاريخ صدور آخر تعديل لقانون الرسوم القضائية المشار إليه فى 21 / 5 / 2009.

ثم تشكيل لجنة من وزارة العدل و مجلس القضاء الأعلى و نقابة المحامين ووزارة المالية ومجلس النواب الموقر للنظر فى تقنين رسوم الميكنة، و كذا تعديل كافة الرسوم والمصاريف والمطالبات القضائية بما لا يفرغ المبدأ الدستوري المتعلق بمجانية الحق في التقاضي بما يحقق مصلحة المواطن أولا ولا يُثقل كاهله بمقابل الخدمة القضائية.

. .hqh0

مادح مخلف

مادح مخلف، محرر في موقع "ميدان الأخبار" لدي خبرة لعدة سنوات في مجال الصحافة والإعلام، خاصة أخبار التعليم والرياضيةـ، كما أسعى دائماً لتقديم محتوى متميز يلبي اهتمامات قراء الموقع, الايميل: [email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى