
عدد متزايد من النساء بدأن يصلن إلى المناصب العليا في عالم الأعمال
انطلقت مبادرة “فورتشن لأقوى النساء تأثيراً”، التي تتضمن قائمة سنوية تضم أكثر 100 امرأة تأثيراً، في عام 1998. وبعد ما يقرب من 3 عقود، تدخل المجلة الآن إلى منطقة الشرق الأوسط من خلال “قمة فورتشن الدولية للنساء الأكثر قوة”، والتي تُعقد في الرياض يومي 20 و21 مايو.
وقالت أليسون شونتيل، رئيسة التحرير والرئيسة التنفيذية للمحتوى في “فورتشن” في مقابلة مع “عرب نيوز”: “عدد متزايد من النساء بدأن يصلن إلى المناصب العليا في عالم الأعمال، وأردنا أن نكون حاضرين على أرض الواقع لتغطية ذلك”.
وأضافت: “لا يوجد مكان أكثر إثارة بالنسبة لنا حالياً (من السعودية) لتغطية عالم الأعمال وتقدم النساء”.
ورغم الإصلاحات والتحولات التي تشهدها المنطقة، لا يزال البعض ينظر إليها كمكان تُقيد فيه حرية النساء ووسائل الإعلام. إلا أن شونتيل قالت إنها “متحمسة للقدوم من دون إطلاق أحكام”، وإنها تتطلع للتواصل مع نساء المنطقة و”إظهار ما يقمن به للعالم”.
رؤية 2030 وتحوّل استثنائي
ووصفت شونتيل التحول الذي شهدته المملكة منذ إطلاق “رؤية 2030” بأنه “استثنائي”، وأضافت: “نريد أن نراه بأنفسنا، وأن نعرضه على العالم”.
وتابعت: “من البديهي أن نتجه حيثما يكون التقدم: الشرق الأوسط”.
وقالت شونتيل إن “فورتشن” تسعى إلى “ربط القوى العالمية وأكبر الشركات في العالم”.
وأضافت: “نود أن نحول شبكة النساء الأقوى نفوذاً إلى شبكة عالمية”، تكون النساء في الشرق الأوسط من خلالها على صلة بنساء من بقية أنحاء العالم.
وأشارت إلى أن 11% من الشركات المدرجة على قائمة “فورتشن 500” لهذا العام تترأسها نساء، وهو أعلى رقم تسجله القائمة على الإطلاق.
وترى شونتيل أن الطريق لا يزال طويلاً قبل الوصول إلى المساواة بين الجنسين في قطاع الأعمال، موضحة: “هذا هو أحد الأسباب الكبرى التي تجعلنا نرى أهمية الاستمرار في إظهار تطور السلطة وتحولها”.
أقوى الشخصيات في العالم
وفي العام الماضي، نشرت “فورتشن” أيضاً قائمة بأقوى الشخصيات في العالم، “لتقدير الشخصيات القوية باعتبارهم أشخاص أقوياء”، وقد هيمن عليها الرجال.
وقالت شونتيل: “هكذا هو العالم، ولن ندعي أنه غير ذلك”، مضيفة أن من مهام المجلة رصد التقدم، وتقديم صورة واقعية للعالم كما هو، وعندما تحدث التغييرات، فإن دورها يكمن في تسليط الضوء عليها أيضاً.
وفي مطلع هذا العام، أصدر الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، أمراً تنفيذياً في ثاني أيامه بالمنصب، بعنوان: “إنهاء التمييز غير القانوني واستعادة الفرص القائمة على الجدارة”.
وأصدر ترمب منذ ذلك الحين عدة أوامر تهدف إلى التراجع عن سياسات التنوع والشمول والمساواة التي تتبعها الشركات الكبرى، والمؤسسات الخيرية، والمنظمات غير الربحية، والمؤسسات التعليمية، وحتى الحكومة.
وتصف إحدى تلك الأوامر سياسات التنوع والشمول والمساواة بأنها “غير قانونية”، وتزعم أن هذه السياسات ما هي إلا “ستار” لـ”تفضيلات قائمة على العِرق أو الجنس”، يصفها بأنها “خطيرة، مهينة، وغير أخلاقية”.
وأثارت هذه التوجيهات عدة مخاوف، من بينها ما يتعلق بمشاركة المرأة في سوق العمل. لكن شونتيل ما زالت متفائلة، إذ تقول: “هناك التزام قوي جداً من النساء في الولايات المتحدة”.
وتضيف: “لقد أحرزنا تقدماً كبيراً خلال الـ50 عاماً الماضية هنا، ولا أعتقد أن كثيرين يرغبون في رؤية تراجع عن ذلك”.
أليسون شونتيل
وتمثل شونتيل نفسها جزءاً من هذا الالتزام، فقد انضمت إلى “بيزنس إنسايدر” عام 2008، وكانت سادس موظف في الشركة، لتصبح رئيسة تحرير الموقع عام 2016.
وعندما تم تعيينها رئيسة تحرير لمجلة “فورتشن” عام 2021، أصبحت أصغر شخص يتولى هذا المنصب، وأول امرأة تشغله في تاريخ المجلة الممتد على مدار 95 عاماً.
وقالت شونتيل: “عندما تفكر في من هو رئيس تحرير فورتشن، أو حتى بيزنس إنسايدر، لا يخطر ببالك أن تكون امرأة شابة”.
ولتوضيح وجهة نظرها، قالت إنه حتى لو طلبت من الذكاء الاصطناعي أن يُنتج صورة لرئيس تحرير مجلة أعمال كبرى، فإنه سيرسم شخصية تشبه الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورجان تشيس، جيمي ديمون.
وقد تبين أنها محقة. فعند سؤال “عرب نيوز” تطبيقي Meta AI و ChatGPT عن صورة لرئيس تحرير وسيلة إعلام عالمية في مجال الأعمال، قدم التطبيق الأول أربع صور: واحدة لامرأة و3 لرجال، أما الثاني فقدم صورة لرجل فقط.
وأكثر ردود الفعل التي تتلقاها شونتيل هو الذهول، لكنها لا تمانع ذلك، بل إنها تحب مفاجأة الناس، وتحب الإحساس بأنها “شخص لا يتوقعه أحد”.
وقالت: “الأمر يمنحك نوعاً من الدافع للعمل نحو هدف يُمكنك أن تفخر به كثيراً حين تحققه”.
مجلة فورتشن
وبالنسبة لشونتيل، فإن صناعة الإعلام لم تعرف إلا التغير منذ أن دخلت هذا المجال، وكان ذلك بعد انتهاء زمن الغداءات الفاخرة، والمجلات الورقية الثقيلة، على حد تعبيرها.
وتوضح: “الكثير من الاتجاهات التي نراها اليوم تختلف تماماً عما كانت عليه من قبل”، وتضيف أن جزءاً كبيراً من النقاش داخل غرف التحرير حالياً يدور حول كيفية تأمين مستقبل المؤسسة الإعلامية.
وترى شونتيل أن العامل الأساسي يكمن في وجود فريق مرن، يمتلك القدرة على رصد التوجهات، وفهم أي منها سيستمر.
وعندما كانت شونتيل في “بيزنس إنسايدر”، كان هدفها أن تجعل الجميع يقرأونه. أما “فورتشن”، فالأمر مختلف؛ إذ لا تسعى المجلة إلى الانتشار الواسع. وقالت: “هدفي هو مواصلة تعزيز أهميتنا وتوسيع قاعدة قرائنا بشكل طفيف، لكن مع الحفاظ على طابعها القيادي”.
وأوضحت شونتيل أن إدارة شركة في عالم سريع التغيّر، وغير قابل للتنبؤ تمثل تحدياً كبيراً، مضيفة: “السؤال هو: كيف يمكن أن نكون الأداة الأفضل بالنسبة للقيادات العالمية من قرائنا؟”
وأضافت أن الهدف يتمثل في “تزويد هؤلاء بالمعلومات التي يحتاجونها لأداء مهامهم بأفضل ما يمكن، حتى يتمكن باقي العالم من الاستفادة من قراراتهم الأكثر جودة”.
وكانت “فورتشن” قد تأخرت نسبياً في اللحاق بركب الإعلام الرقمي، إذ لم تطلق موقعها الإلكتروني إلا في عام 2014.
وبحلول نهاية عام 2024، بلغ عدد مستخدمي الموقع 24 مليوناً حول العالم، فيما بلغ عدد متابعي حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي 7 ملايين.
ومع ذلك، لا يزال الجمهور الشاب غير ملم بالعلامة التجارية، أو لا يستهلك محتواها كثيراً. وأقرت شونتيل بأن المجلة كانت ناجحة جداً في الوصول إلى جمهور القيادات التنفيذية، لكنها قالت: “لقد أصبحنا بشكل متزايد غير جيدين في الوصول إلى الجيل التالي، ومساعدته على التقدم في مسيرته المهنية”.
وأضافت أن وسائل التواصل الاجتماعي اليوم تتيح للمجلة “الظهور بأساليب مختلفة على منصات مختلفة” للوصول إلى قراء محتملين جدد.
وأوضحت أن ذلك يعني اعتماد نبرة مختلفة في الخطاب للوصول إلى جيل الألفية، و”الجيل زد” عبر منصات مثل “تيك توك”، والتي ستكون “تجربتهم الأولى مع المجلة”، على حد قولها.
“توازن دقيق”
ووصفت شونتيل الأمر بأنه “توازن دقيق” يتمثل في التساؤل: “كيف نجذب الجيل القادم من القراء كي تواصل فورتشن وجودها، وتُقرأ وتُعرف على نطاق واسع بعد 20 عاماً، وفي الوقت نفسه نحافظ على مكانتنا الفكرية القيادية؟”.
وفي إطار هذا التوجه، تعتزم المجلة هذا العام إعادة ابتكار محتواها المرئي، وإطلاق عدد من برامج البودكاست.
وترى شونتيل أن الذكاء الاصطناعي بات في صميم التكنولوجيا، وأي نقاش يدور حولها، واصفةً إياه بأنه “أداة بالغة القوة” دون شك.
الصحافة والذكاء الاصطناعي
ورغم المخاطر المرتبطة بهذه التقنية، مثل الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة والمحتوى المفبرك، إضافة إلى المخاوف من فقدان وظائف، ترى شونتيل أن الذكاء الاصطناعي قد يُعيد الصحافة إلى جذورها.
وقالت شونتيل إن أي أخبار أو معلومات يمكن تلخيصها وتجميعها لن تحتاج إلى تدخل بشري، إذ سيتكفل الذكاء الاصطناعي بهذه المهمة، لكنها ترى في ذلك “فرصة مثيرة” لأنه سيُعيد الصحافة إلى جذورها، حيث التركيز على البحث عن المعلومات الأصلية، والحقائق، وتقديمها للجمهور أولاً، مدعومة بأفضل تحليل وأحدث ما يمكن الوصول إليه من معلومات جديدة.
وقالت شونتيل إن صناعة الإعلام الإخباري فقدت بوصلتها إلى حد كبير خلال العقد الأخير، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن نموذج الأعمال أصبح قائماً على جذب الانتباه وسط الضجيج، بدلاً من تقديم الأخبار بما يتماشى مع نهج المؤسسة الإخبارية.
كما ترى أن هناك تغييرات جذرية تلوح في الأفق، وأن مؤسسات الأخبار لن يكون أمامها سوى خيارين: إما أن تكون جهة نشر كبرى تتمتع بنموذج أعمال قوي مثل “نيويورك تايمز” أو “بلومبرغ”، أو أن تتحول إلى منصة متخصصة تخدم شريحة معينة، أما الكيانات التي تقع في “المنطقة الرمادية”، بين هذين النموذجين، فستواجه صعوبات جمة في البقاء.