
تهيئة مكة والمشاعر لضيوف الرحمن وتمكين رجال الأمن من تنظيم الحج
أمكن خلال الأسابيع الماضية قراءة عناصر استراتيجية جديدة تتبعها الجهات الأمنية بوزارة الداخلية والأجهزة الحكومية الأخرى، في التعامل مع الحجاج المخالفين ومنع تسللهم إلى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة خلال موسم حج هذا العام، بدءاً من تبكير الوقت المسموح للدخول أو البقاء في مكة المكرمة لغير الحجاج مقارنةً بالأعوام السابقة، وليس انتهاءً بالغرامات المشددة لمَن يحاول الحج بلا تصريح أو ينقل الحجاج المخالفين أو يؤويهم.
غرامات تتراوح بين 20 ألفاً و100 ألف ريال بحق مخالفي أنظمة وتعليمات الحج
وأعلنت وزارة الداخلية منع الدخول إلى مكة المكرمة لغير المقيمين بها أو العاملين فيها خلال موسم الحج أو حاملي تأشيرات الحج اعتباراً من 25 شوال 1446، ومنع البقاء فيها لغير هذه الفئات بدءاً من الأول من شهر ذي القعدة الجاري، وكلاهما موعد مبكر مقارنةً بكل عام، إذ جرت العادة أن يكون منع الدخول لمكة أو البقاء فيها بحلول منتصف ذي القعدة.
وبدأت الجهات الأمنية في العاصمة المقدسة، بمجرد حلول الأول من ذي القعدة، ملاحقة مَن يحاول التسلل إلى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة من غير الحجاج لاسيما المقيمين من غير أهل مكة وحاملي تأشيرات الزيارة ومنعهم من الدخول إلى مكة أو البقاء فيها. وأعلنت في الثالث من ذي القعدة الجاري مداهمة مبنى مخالف في حي الهجرة وضبط 42 وافداً بتأشيرة زيارة حاولوا البقاء في مكة لأداء الحج بالمخالفة للأنظمة والتعليمات التي لا تخوّل الزائرين أداء مناسك الحج.
كما تمكنت من ضبط عشرات الأشخاص لنقلهم مخالفين لأنظمة وتعليمات الحج إلى مدينة مكة المكرمة دون حصولهم على تصريح بالحج، ولارتكابهم عمليات نصب واحتيال بنشرهم إعلانات حملات حج وهمية وبتوفير سكن ونقل للحجاج داخل المشاعر المقدسة، وشددت على أن الأجهزة الأمنية تلاحق مَن آوى هؤلاء المخالفين لاتخاذ الإجراءات النظامية بحقهم.
وفي وقت مبكر أيضاً وقبل نهاية شهر شوال أطلقت وزارتا الداخلية والحج والعمرة حملات توعوية بعد انتهاء موسم عمرة رمضان مباشرةً، وحثّت الزوار والمعتمرين على مغادرة المملكة قبل انتهاء صلاحية تأشيراتهم لتجنب التعرض للعقوبات والغرامات المشددة، وأكدت أن الأنظمة تقصر إمكانية الحج فقط على حاملي التصريح والقادمين بتأشيرة حج. كما دعت أفراد المجتمع للمشاركة في مواجهة هذه الظاهرة عن طريق الإبلاغ عن مخالفي أنظمة وتعليمات الحج، عبر الاتصال على الرقم الموحد (911) في مناطق مكة المكرمة والرياض والشرقية و(999) في بقية المناطق.
وأشهرت وزارة الداخلية سيف العقوبات والغرامات المشددة لزجر كل مَن يحاول مخالفة التعليمات عبر الحج بلا تصريح أو تأشيرة حج، أو نقل أو إيواء المتسللين والحجاج المخالفين. وتوعدت كل وافد يتأخر عن المغادرة في الوقت المحدد لانتهاء تأشيرة الدخول بالسجن 6 أشهر والترحيل وغرامة تصل إلى 50 ألف ريال، إضافةً إلى عقوبة مماثلة على المستقدِم الذي يتأخر في الإبلاغ عن مغادرة مَن استقدمهم. وأيضاً توعدت شركات خدمات الحجاج والمعتمرين التي تتأخر في الإبلاغ عن مغادرة مَن استقدمتهم بغرامة مالية تصل إلى 100 ألف ريال تتعدد بتعدد الحجاج والمعتمرين المخالفين.
وفي الـ30 من شوال المنصرم فصّلت وزارة الداخلية العقوبات بحق مخالفي تعليمات الحج، حيث بدأ في اليوم التالي منع البقاء في مكة لغير الحجاج، وشملت العقوبات غرامة 20 ألف ريال لكل مَن يؤدي أو يحاول أداء مناسك الحج دون تصريح وكذلك مَن يدخل أو يبقى في مكة من حاملي تأشيرات الزيارة، وتُشدد الغرامة إلى 100 ألف ريال بحق مَن أصدر تأشيرة الزيارة لهؤلاء المخالفين، ومَن يقوم بنقلهم إلى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، ومَن يقوم أو يحاول إيواؤهم أو التستر عليهم. وتوسعت العقوبات لتصل إلى ترحيل المتسللين للحج من المقيمين والمتخلفين لبلادهم ومنعهم من دخول المملكة لمدة 10 سنوات.
وتأتي هذه الاستراتيجية انطلاقاً من حرص الجهات الأمنية على مواجهة ظاهرة الحج المخالف بشكل مبكر، وتهيئة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة للحجاج النظاميين لأداء نسكهم بكل يسر وسهولة، وتمكين رجال الأمن والمطوفين من أداء مهامهم في خدمة ضيوف الرحمن على الوجه الأكمل، حيث تم إعداد الخطط الأمنية والصحية والخدماتية وفق أعداد الحجاج النظاميين المحددة بشكل مسبق بما يسهم في أداء نسكهم بانتظام وانسيابية وعدم حدوث تدافع أو تعرض أيٍ حاج لضرر أو عارض صحي لا قدّر الله؛ نتيجة هؤلاء الحجاج المخالفين الذين لم يسلكوا الطرق النظامية لأداء الحج بما يوفر لهم الخدمات الأمنية والصحية التي تعينهم على أداء المناسك.
وتسببت ظاهرة الحج المخالف في وفاة أكثر من ألف حاج العام الماضي، حيث كشف وزير الصحة فهد الجلاجل في حينها عن وفاة أكثر من 1300 حاج أثناء أداء المناسك؛ نتيجة الطقس شديد الحرارة الذي شهدته مكة والمشاعر خلال أيام الحج، وأكد أن 83% من الحجاج المتوفّين من غير المصرح لهم بالحج “الذين ساروا مسافات طويلة تحت أشعة الشمس بلا مأوى ولا راحة، بينهم عدد من كبار السن ومصابون بأمراض مزمنة”.