
عمرو البوطيبي – هبة سبور
في صمت وبعيدا عن الأضواء، تشتغل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم على واحد من أكثر المشاريع عمقاً في تاريخ الكرة الوطنية: مغربة المنتخبات. مشروع لا يُختزل فقط في تعيين مدربين مغاربة على رأس مختلف الفئات السنية، بل يندرج ضمن رؤية شاملة لإعادة بناء الهوية الكروية المغربية على أسس محلية صلبة.
لأول مرة، تبدو الأمور وكأنها تسير وفق منطق الاستمرارية، لا الارتجال. فالفكرة لم تعد أن نعتمد على المدرب المغربي كحل مؤقت أو كرد فعل بعد فشل التجارب الأجنبية، بل بات خياراً مؤسَّساً، مدعوماً بخطة واضحة للتكوين، وللمرافقة، ولتجديد النخب التقنية بشكل منتظم.
جيل 2004 يعود… لا للحنين، بل للمشاركة
عودة أسماء بارزة من جيل كأس إفريقيا 2004— من وليد الركراكي الى يوسف حجي و نبيل باها و نور الدين النيبت ليست ترفاً عاطفياً. هؤلاء اللاعبون لا يدخلون المنتخبات الوطنية بصفة “نجوم سابقين”، بل بأدوار محددة داخل مشروع تكوين مستمر. يتم الاستفادة من خبراتهم، لغتهم المشتركة مع مزدوجي الجنسية، وانضباطهم المهني الذي شهد له الجميع خلال مسيرتهم كلاعبين.
وهنا نميز بين “استخدام الماضي” و”العيش فيه”. الجامعة لا تُعيد هؤلاء لأنهم مجرد أسماء ماضية، بل لأنها ترى فيهم جسراً عملياً بين الأجيال، ومخزوناً تقنياً وعقلياً يمكن أن يخدم منظومة المنتخب لعقود.
نهج هرمي… لا أحد فوق المشروع
من أقل من 15 سنة إلى المنتخب الأول، هناك هيكلة واضحة: مدرب، مساعد، طاقم فني، ومسار تصاعدي للتكوين. وحتى حين يغيب اسم بحجم الركراكي، كما تشير التوقعات المستقبلية، فهناك بدائل حاضرة من الآن، مثل طارق السكتيوي و يوسف حجي و نور الدين النيبت أو آخرين برزوا محلياً وقارياً.
المسألة هنا ليست فقط في توفر الأطر، بل في توفر مشروع يؤمن بالاستمرارية. لا مفاجآت، لا قرارات انفعالية. كل مدرب، في أي فئة، يعلم أنه داخل بنية قابلة للنمو والانتقال من فئة إلى أخرى بسلاسة.
رسالة ضمنية للجيل الجديد من اللاعبين القدامى
ربما الرسالة الأهم في كل هذا المشروع، هي تلك التي توجَّه – بصمت – إلى اللاعبين الدوليين السابقين: الطريق إلى التدريب مفتوح، لكن بشروط. التكوين أولاً، الالتزام ثانياً، والانخراط في المشروع ثالثاً. أما الظهور في برامج سطحية أو التركيز على الطرائف، فقد صار طريقاً مسدوداً.
الجامعة لا تُقصي أحداً، لكنها أيضاً لا تُكافئ الارتجال. من أراد العودة، عليه أن يحمل ما يُضيف، لا فقط ما يُروى.
الرهان على الذات… عودة متأخرة لكنها ضرورية
أن تراهن جامعة كرة القدم على الكفاءة المغربية، فهذا ليس فقط موقفاً وطنياً، بل أيضاً خيارًا عقلانيًا. التجربة بيّنت أن المدرب المغربي صار أكثر انفتاحاً على التكوين الحديث، أكثر إدراكاً للسياق المحلي، وأكثر قرباً من اللاعب المزدوج الهوية.
لقد ولّى زمن الانبهار بكل ما هو أجنبي. واليوم، تُبنى المنتخبات المغربية بأيدي مغربية، وبعقول تكونت في المغرب وخارجه، لكنها تشتغل بمنطق الانتماء لا الانبهار.