أخبار العالم

الحجز الكلي لراتب المدين… حماية تشريعية غائبة


انتهت دراسة أعدها المستشاران علي الثويمر ولطفي هاشم، في مكتب أركان للمحاماة والاستشارات القانونية، حول إجراءات الحجز على راتب المدين والموظف والحلول، إلى ضرورة تعديل نص المادتين 216 و227 من قانون المرافعات، بما يتناسب مع العصر الحالي بأن يضاف إليها «عدم جواز الحجز على الراتب سواء تحت يد جهة العمل أو البنك». وطالبت الدراسة، حتى صدور هذا التعديل، بأن «تعدل في صيغة محضر الحجز بأن يورد فيه تنبيه على البنك بأنه لا يجوز الحجز على الراتب إلا في حدود النصف كحد أقصى، وفي حالة عدم التقيد بذلك يجب على البنوك أن تبين المبلغ المودع في حساب العميل بأنه راتب وعلى إدارة التنفيذ إعطاء التعليمات بشأنه وعدم تحمل البنك المسؤولية».

نظم قانون المرافعات القواعد العامة في الحجوزات بشكل عام، وبعض أنواع الحجوزات بشكل مفصل، ومنها حجز ما للمدين لدى الغير، مع تعديل الأخير بموجب القانون رقم 59 لسنة 2025 بشأن تعديل قواعد حجز ما للمدين لدى الغير، وعلى ضوء آلية التنفيذ وقرار إدارة التنفيذ الموجه للبنك المركزي والجدل المثار بشأن الحجز على الراتب، رأينا أن نتناول هذا الموضوع في ضوء قواعد قانون المرافعات، والقوانين الأخرى والتي تثير مشكلة هامة متعلقة بالحجز على الراتب أو الأجر أو ملحقاتهما الذي يتم إيداعه لدى البنك وهل يخضع لمفهوم الراتب؟ أم أنه بمجرد دخوله حساب المدين يفقد ذاتيته كراتب ويصبح مالاً مملوكاً للمدين تحت يد البنك؟

ولبيان تفصيل ذلك وعلاج تلك المشكلة يجب أن نتناول الموضوع من خلال بيان مفهوم الأجر والراتب بصفة عامة والتمييز بينهما، وآلية تحديد ما إذا كان ما يتم تقاضيه يعتبر راتباً أم أجراً من عدمه، لبيان عناصر الأجر والراتب، والتي تخضع لقواعد الحجز على الراتب، ثم بيان مفهوم حجز ما للمدين لدى الغير لبيان الجهة التي يتم الحجز لديها بشأن الراتب، وننتقل بعدها إلى المشكلات العملية في ضوء ما تقدم، والحل المقترح لمعالجة تلك المشكلات ونبين ذلك في الآتي:

أولاً: مفهوم الأجر أو الراتب بصفة عامة وعناصره

1 – يلاحظ أن بعض التشريعات استخدمت لفظ أجر وأخرى استخدمت لفظ راتب، فعلى سبيل المثال نصت المادة 55 من القانون رقم 6 لسنة 2010 بشأن العمل في القطاع الأهلي على أنه «يقصد بالأجر ما يتقاضاه العامل من أجر أساسي أو ينبغي له أن يتقاضاه لقاء عمله وسببه مضافاً إليه كل العناصر المنصوص عليها في العقد ولوائح صاحب العمل».

ونص المرسوم رقم 15 لسنة 1979 بشأن الخدمة المدنية في مادته 18 على أن «يستحق الموظف مرتبه من تاريخ تسلمه العمل».

وبناء على ذلك يمكن التمييز بين الأجر والراتب في التعريف بأن الأول هو التعويض الذي يأخذه العامل مقابل الجهد الذي يبذله في العمل (يومي – أسبوعي – شهري) ويكون متفقاً عليه بين العامل ورب العمل، وبالتالي نجد أنه يتفاوت في المهنة أو العمل الواحد من عامل إلى آخر، ومن رب عمل إلى آخر ويكون دائماً في القطاع الخاص.

اقرأ أيضًا:  اجتماع هيئة الرؤية الشرعية لاستطلاع هلال شوال السبت

أما الراتب فهو المبلغ الذي يدفع للموظف نظير شغله وظيفة محددة بدرجة معينة وتكون غالباً شهرية، ويلاحظ الفرق الأبرز بينهما بأن الأجر يتم تحديده بالاتفاق بين الطرفين، أما الراتب فيكون محدداً مسبقاً بموجب قوانين أو لوائح أو قرارات.

في العرف الدارج قد يطلق على الأجر راتب والعكس صحيح

وفي العرف الدارج قد يطلق على الأجر راتب والعكس صحيح، ولذلك حرص المشرع في المادة 216 من قانون المرافعات على الأجور والرواتب لتشمل المسميين.

2 – عناصر الأجر وفقاً لقانون العمل هو كل ما يتقاضاه العامل من رب العمل، سواء بموجب الاتفاق أو بموجب لوائح رب العمل، أما في الراتب فلا تدخل العلاوات والمكافآت التي يحصل عليها الموظف ضمن مسمى الراتب.

ثانياً: أهمية التفرقة والتمييز بين الأجر والراتب وفقاً للمادة 216 من قانون المرافعات

نصت المادة 216 بند (ز) على أنه مع عدم الإخلال بما ينص عليه أي قانون آخر لا يجوز الحجز على ما يأتي:

الأجور والمرتبات التي لم يصدر قانون خاص بتنظيم شروط عدم جواز الحجز عليها إلا بقدر النصف، وعند التزاحم يخصص نصفه لوفاء ديون النفقة المقررة والنصف الآخر لما عداها من ديون، وتلك المادة وضعت قاعدة عامة أنه إذا لم يمنع القانون الحجز على الراتب والأجر يكون الحجز على نصف الراتب أو الأجر بمقدار النصف لأي دين أياً كان سببه إلا أنه ميز بين النفقة بمقدار نصف ما يتم الحجز عليه، وبالتالي فإن تحديد الأجر أو الراتب الذي يتم الحجز عليه، سواء من جواز الحجز من عدمه ومقدار ما يتم الحجز يرجع فيه القانون المنظم للأجر أو الراتب – فعلى سبيل المثال:

المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن الخدمة المدنية نصت على عدم جواز إجراء الحجز على أي مبلغ واجب الأداء بأية صفة كانت إلا وفاء لــ: 1 – دين نفقة. 2 – ديون حكومية ناشئة بسبب أداء وظيفته أو استرداد ما صرف له بدون وجه حق فقط.

وبالتالي لا يجوز الحجز على الراتب أو غيره المستحق للموظف لأي دين آخر سوى الديون سالفة الذكر وألا يتجاوز الخصم مقدار نصف ما يستحقه الموظف سواء راتبا أو علاوات أو أي مبلغ آخر أياً كانت صفة ذلك المبلغ بمقدار النصف فقط.

أيضاً على سبيل المثال: قانون العمل حدد النسبة التي يجوز الحجز عليها من الأجر بنسبة%25 فقط.

ويتضح مما سبق أن قانون العمل حدد ما يسمى بالأجر، وبالتالي فإن رب العمل إذا منح العامل مكافأة استثنائية لا يطلق عليها وصف الأجر، ووفقاً لنص المادة بالكامل لأي دين، ولا يكون لدين النفقة حق التقدم عليها.

اقرأ أيضًا:  منع تسكين غير حاملي تأشيرة الحج بمكة بدءًا من 1 ذي القعدة

ثالثاً: مفهوم حجز ما للمدين لدى الغير

وفقاً للمادة 227 من قانون المرافعات المعدلة بالقانون رقم 59 لسنة 2025

نصت المادة 227 سالفة الذكر على أنه يجوز لكل دائن بدين محقق الوجود حال الأداء أن يحجز ما يكون لمدينه لدى الغير من المنقولات أو الديون ولو كانت مؤجلة أو معلقة على شرط وإذا لم يكن الحجز موقعاً على منقول أو دين بذاته فإنه يتناول كل ما يكون للمحجوز عليه من منقولات في يد المحجوز لديه أو ينشأ له من ديون في ذمته بعد ذلك على وقف التقرير بما في ذمته.

المقصود (بالغير) هو المدين بدين لصالح المدين المحجوز لديه فعلاقة المدين المحجوز عليه هنا يكون بوصف الدائن، والمحجوز لديه يكون بوصف المدين وفي المنقولات يكون حائز المنقول لصالح المدين عليه.

وهنا يثور سؤال آخر: من المدين بأجر أو راتب العامل؟ هل هي جهة العمل أم رب العمل؟ أم أنه البنك الذي يوجد به حساب الموظف أو العامل الذي يستقبل إيداع الأجر أو الراتب فيه؟ بمعنى آخر إذا امتنعت جهة العمل أو رب العمل في أداء الراتب أو الأجر على من تقام دعوى المطالبة؟ هل هي جهة العمل أم البنك؟ والاجابة هنا لا تحتاج تفكيراً طويلاً ذلك أن المدين بالراتب أو الأجر هو جهة العمل والبنك لا يمثل جهة العمل حتى يمكن اعتباره مديناً، كما أن من يحدد ما يعتبر أجراً وما لا يعتبر أجراً هي جهة العمل، وبالتالي فإن غير المقصود هنا في مسألة الراتب والأجر هي جهة العمل وليس البنك، وبالتالي فإنه لتطبيق القواعد الخاصة بالحجز على الراتب أو الأجر وفقاً للقوانين المنظمة لمسألة الحجز على كل حسب جهة عمله، كما بينا في الأمثلة السابقة يجب أن يكون الحجز بما يسمى حجزاً على الراتب، وهنا يصبح ديناً بذاته.

أما إذا تم أداء هذا الدين لصالح العامل أو الموظف يفقد ذاتيته كراتب أو أجر ويصبح مالاً عادياً وليس راتباً.

رابعاً: المشكلات العملية عند تطبيق النص

بداية نصت المادة 216، عندما تمت صياغتها في عام 1980، حيث تم نشر القانون في جريدة الكويت اليوم في العدد رقم 1307 بتاريخ 25/6/1980، وآنذاك كانت تصرف الأجور والمرتبات نقداً ولا يوجد إلزام على تحويل الراتب إلى حساب الموظف أو العامل إلى حسابه لدى بنك يحدده الموظف، وبالتالي فإن المشرع هنا حمى الموظف من إجراءات التنفيذ الجبري على كامل مرتبه لدى جهة عمله، وكذلك الحال عند سياق نص المادة 227 حينما حددت ما للمدين لدى الغير من ديون، وبالتالي فإن دين الراتب لدى جهة العمل، والإشكالية هنا تكمن في إجراء الحجز لدى البنك فأساس نشأة دين المدين الأصلي لدى البنك ليس الراتب وإنما عقد فتح الحساب هو الذي أنشأ الدين في ذمة البنك، وبالتالي فإن البنك عند الحجز لديه يحجز على المبالغ المالية أو تحويل أو نقل مصرفي أو قرض أو غيره من الأمور الأخرى، وبالتالي يجب على البنك أن يقر بما في ذمته من رصيد دائن لصالح عميله (الموظف أو العامل) وفي حالة مخالفة البنك لذلك يكون أورد تقريراً خاطئاً يقع بموجبه بقيمة مبلغ المديونية كاملاً، وإذا قام البنك بتحويل كامل المبلغ (الراتب أو الأجر الكامل) نكون أهدرنا الحكمة التي تغياها المشرع من حماية الموظف والعامل بضمان الحد الأدنى للحجز على راتبه الذي لا يزيد على النصف.

بعض القوانين تمنع الحجز على الراتب إلا لديون محددة

الإشكالية الأخرى أن بعض القوانين تمنع الحجز على الراتب إلا لديون محددة، وبالتالي هناك ديون لا يجوز لأصحابها الحجز على الراتب، فعلى سبيل المثال أصحاب الديون التجارية لا يحق لهم الحجز على رواتب الموظفين المدنيين بأي نسبة كانت، بشرط أن يكون الحجز محددا بدين بذاته، وهو دين الراتب ولا يكون إلا تحت يد جهة العمل، أما إذا تم الحجز لدى البنك فيجوز الحجز عليه كاملاً.

اقرأ أيضًا:  تعرف على سعر الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي اليوم 11 -2-2025  في السوق السوداء

المشكلة الثالثة: إذا ما سلمنا بأن مفرد الحساب المقيد كراتب في حساب العامل أو الموظف، يظل يحتفظ بذاتيته كراتب، وصدر محضر الحجز دون تحديد وتم الحجز على الحساب كاملاً بما فيه مفرد الراتب كاملاً، وهنا تثور المشكلة، وهي: هل الحجز على الراتب من قبل البنك يعتبر خطأ البنك أم خطأ إدارة التنفيذ أم خطأ الدائن طالب الحجز؟ ووفقاً لقرار الإدارة العامة للتنفيذ بضرورة تقيد البنوك بالقانون وبالتالي فإن الحجز على الراتب كاملاً يكون خطأ البنك، وهنا يحق للبنك نفي المسؤولية من أن محضر الحجز لم يحدد مفرداً بذاته، كما أنه بمجرد قيد المفرد في حساب العميل – المدين الموظف – يفقد ذاتيته وصفته كراتب وهنا سوف تنشأ منازعة بين البنك، والدائن، وإدارة التنفيذ والمدين.

خامساً: اقتراحات لحل المشكلة

1 – أن يتم تعديل نص المادة 216 والمادة 227 بما يتناسب مع العصر الحالي بأن يضاف إليها «عدم جواز الحجز على الراتب سواء تحت يد جهة العمل أو البنك، وهذا هو الحل الطويل».

2 – الحل السريع يكون في يد إدارة التنفيذ «بأن تعدل صيغة محضر الحجز بأن تورد فيه تنبيها على البنك بأنه لا يجوز على مفرد الحساب المقيد كراتب إلا في حدود النصف كحد أقصى من الراتب الشهري».

3 – في حالة عدم تنفيذ الحل السابق يجب على البنوك أن تبين في تقرير بما في ذمتها المبلغ المودع في حساب العميل بأنه راتب وعلى إدارة التنفيذ إعطاء التعليمات بشأنه وعدم تحمل البنك المسؤولية.

سامي التميمي

سامي التميمي هو مسؤول الإشراف العام في "ميدان الأخبار"، حيث يشرف على جودة المحتوى وتنظيم عمل الفريق لتحقيق أهداف الموقع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى