عمرو البوطيبي – هبة سبور
في حياة الرياضيين، هناك لحظات فارقة ترسم ملامح مسيرتهم، لكن ما عاشه المدافع الإيطالي فرانشيسكو أتشيربي يتجاوز حدود الرياضة، ليغدو قصة أمل وإصرار في وجه المرض والمعاناة النفسية.
ولد أتشيربي في 10 فبراير 1988، وبدأ مسيرته الكروية بين أندية صغيرة، قبل أن يشق طريقه نحو الدوري الإيطالي الممتاز، محققًا حلم الطفولة بالدخول إلى عالم الاحتراف. في عام 2013، كان لاعبًا في صفوف ساسولو بعد تجربة قصيرة مع نادي ميلان، يعيش واحدة من أجمل فتراته، لكن فجأة توقفت الأحلام أمام تشخيص صادم: سرطان في الخصية.
الخبر نزل عليه كالصاعقة، وهو الذي كان بالأمس القريب يعيش فرحة اللعب إلى جانب نجوم عالميين. أجرى عملية جراحية في يونيو من نفس العام، وبدا أن الأمور تتجه نحو الشفاء، لكن القدر كان يحمل اختبارًا أقسى.
في ديسمبر 2013، عاد المرض مجددًا، وكان أكثر شراسة. خضع أتشيربي للعلاج الكيميائي، فقد شعره وتدهورت صحته، وفي خضم هذا الصراع الجسدي، خسر والده، فدخل في حالة اكتئاب حاد.
ورغم كل ذلك، بقي هناك شعاع أمل واحد يمنحه الرغبة في الاستمرار: كرة القدم. لم تكن مجرد رياضة بالنسبة له، بل كانت الملاذ، والدواء، والعلاج النفسي. دخل الملعب ليهرب من الألم، ليتشبث بالحياة. قالها في أكثر من مناسبة: “كنت ألعب لأبقى واقفًا”.
بمرور الوقت، بدأ يتحسن، واستعاد عافيته شيئًا فشيئًا. عاد للتدريبات، ثم عاد للمباريات بقوة. لعب مجددًا مع ساسولو في 2014، وأصبح أحد ركائز الفريق، قبل أن ينتقل إلى لاتسيو عام 2018، حيث أظهر أفضل مستوياته وأصبح قائدًا حقيقيًا للفريق.
في بطولة “يورو 2020” (التي أُقيمت صيف 2021 بسبب جائحة كورونا)، حمل أتشيربي قميص منتخب بلاده، وقدم أداءً مميزًا، خاصة في مباراة النمسا، ليساهم في تتويج إيطاليا باللقب القاري. وفي 31 أغسطس 2022، انتقل إلى نادي إنتر ميلان.
لكن ليلة السادس من مايو 2025 كانت استثنائية. في مباراة حاسمة كان فريقه على وشك الإقصاء، ارتقى أتشيربي، المدافع، ليتمركز كمهاجم، ويستقبل كرة عرضية في اللحظة الأخيرة، ويسجل هدف التأهل. تساءل الجميع: “ماذا يفعل مدافع هنا؟”، لكن القدر وحده كتب هذا المشهد. إنها عدالة السماء، مكافأة رجل لم يستسلم.
قصة فرانشيسكو أتشيربي ليست مجرد حكاية رياضي، بل رسالة أمل لكل مريض سرطان، وكل من يحارب الاكتئاب: الشفاء ممكن، والعودة للحياة أجمل حين تُنتزع بالإرادة.
