أخبار العالم

“درب زبيدة”.. منارة الحجيج في دروب الرمال

درب زبيدة.. معبر الحجاج وشاهد الحضارة الإسلامية في قلب الصحراء

درب زبيدة.. معبر الحجاج وشاهد الحضارة الإسلامية في قلب الصحراء

“درب زبيدة” أحد الدروب التي يصدح بذكرها التاريخ، ومن أهم طرق الحج التاريخية في الجزيرة العربية، الذي سلكته القوافل التجارية قديمًا، والتقت فيه مختلف الحضارات، وشهد مرحلة من التبادل الثقافي والمعرفي بين مختلف الأعراق.

شهد الطريق عناية عمرانية خاصة، حيث رُصفت أرضيته في المناطق الرملية بالحجارة لتثبيت المسار

اكتسب درب زبيدة أهمية متعاظمة بعد ظهوره كأحد أهم طرق الحج في العصر الإسلامي، ممتدًا من مدينة الكوفة في العراق مرورًا بشمال المملكة، ويعبر بمحاذاة محافظة رفحاء بمنطقة الحدود الشمالية، وهي أولى المحافظات السعودية التي تقع على هذا الطريق وصولًا إلى مكة المكرمة.

ويمتد الطريق على مسافة تقارب 1400 كم، وأسهم في تسهيل رحلات الحج والسفر عبر الصحاري القاحلة، مجسّدًا بذلك جانبًا من عبقرية التخطيط الهندسي الذي تميزت به الحضارة الإسلامية في تنظيم البنى التحتية لخدمة الإنسان.

وبلغ “درب زبيدة” ذروة ازدهاره في عصر الخلافة العباسية الأولى حيث كان من أهم طرق الحج والتجارة إبان تلك الحقبة، حيث أُقيمت محطات متتابعة على امتداده، وبنيت البرك لجمع الماء بطريقة ذكية جدًا وفي أماكن مختارة بعناية فائقة لتخزين المياه وبمسافات مدروسة ليستفيد منها الحجاج للتزود بالماء، إلى جانب آبار عميقة محفورة بعناية، وشكّلت هذه المحطات نقاط راحة وأمان للحجاج والمسافرين، مما خفّف عنهم مشقة الطريق وأمّن لهم موارد أساسية في قلب الصحراء.

وكان الطريق مزودًا بالأعلام وهي إشارات تدل على الطرق بينها مسافات معلومة وتبنى الأعلام من حجارة متفاوتة الأحجام وترص على بعضها على هيئة شكل مخروطي وتبنى عادة قرب مصادر المياه وعند مفترق الطرق لترشد الحاج والمسافر، كما زُود الطريق بالأميال وهي علامات توضح عليها المسافات محفورة على الحجر، وبلغت المسافة بين كل بريد وآخر نحو 12 ميلًا إسلاميًا (24 كم)، فيما كان العلم يُقام في منتصف المسافة، مرفوعًا ليسهل تمييزه -من بعد-، وحُملت على تلك الأعلام، الدلالة على دقة التنظيم وبمسافات مدروسة ليستفيد منها الحجاج والمسافر.

اقرأ أيضًا:  «الإطفاء» تدعو إلى توخي الحذر لعدم استقرار الحالة الجوية

وشهد الطريق عناية عمرانية خاصة، حيث رُصفت أرضيته في المناطق الرملية بالحجارة لتثبيت المسار، ومنع انزلاق القوافل، كما أُقيمت محطات رئيسية على امتداده، منها “القاع” “زُبالا” “الشيحيات”، و”فيد”، و”الأجفر”، و”القاعية”، التي توفرت فيها المياه والطعام وأدوات الراحة، فكانت ملتقى للقوافل ومراكز تموين واستراحة في عمق الصحراء.

ويمتلك “درب زبيدة” مقومات تاريخية وهندسية تستدعي الحفظ والتوثيق، فهو لا يعبّر عن وسيلة تنقّل قديمة فحسب، بل يُظهر وعيًا عاليًا في خدمة الحجاج وتنظيم المسارات الصحراوية، واحتفظت بعض البرك بمياهها النقية حتى اليوم، مما يعكس جودة البناء واستمراريته.

وفي إطار رؤية المملكة 2030، تواصل الجهات المختصة جهودها لإحياء هذا الطريق وتأهيل معالمه، ضمن مشاريع تهدف إلى إبراز العمق الحضاري للمملكة، وتعزيز السياحة التراثية، ويُنتظر أن يسهم “درب زبيدة” في تقديم تجربة ثقافية متكاملة للزوار، تُعيد ربط الأجيال المعاصرة بماضيها، وتُظهر قيمة هذا الطريق الذي عبرت عليه الحضارة، وسارت فيه القوافل، وخُدمت من خلاله أعداد لا تُحصى من ضيوف الرحمن.

عبدالرحمن الفهد

عبد الرحمن الفهد، محرر في موقع "ميدان الأخبار" لدي خبرة لعدة سنوات في مجال الصحافة والإعلام، وتركز اهتماماتي على تقديم أخبار دقيقة في مجالات الثقافة والتكنولوجيا والرياضة. أسعى دائماً لتقديم محتوى متميز يلبي اهتمامات قراء الموقع, الايميل: [email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى