
السبت 15/فبراير/2025 – 05:06 ص
تلقى الدكتور نظير عياد مفتي الجمهورية سؤالًا ورد إليه من أحد المواطنين مفاداه: هل للمستجدات الطبية أثر على عدة الطلاق أو الوفاة؟ فقد ظهرت بعض الوسائل الطِّبِّيَّة الحديثة التي تقطع علميًّا ببراءة الرحم بعد انتهاء العلاقة الزوجية بطلاقٍ أو وفاةٍ، فهل يمكن الاستناد إلى هذه الوسائل في الحكم بانتهاء العدة؛ بحيث تحل المرأة للأزواج متى تحقَّقت براءة رحمها من الحمل أو كانت قد استُؤصِلَ رَحِمُها؟
وقال المفتي عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء إن العدة شرعت لمعانٍ وحِكمٍ متعددة؛ كاستبراء الرحم، والتفجُّع على الفُرقة، ومنع اختلاط الأنساب، وإتاحة الفرصة في مدة الطلاق الرجعي للمراجعة بين الزوجين، وتعظيم خطر هذا العقد، ورفع قدره، وإظهار شرفه، وكلُّ هذا من قبيل الحِكَم التي لا تدور الأحكام معها وجودًا وعدمًا، وأمَّا العلة من العدة فهي التعبد، ومن ثمَّ فليس للوسائل الطبيَّة الحديثة التي يمكنها أن تقطع علميًّا ببراءة الرحم بعد انتهاء العلاقة الزوجية بطلاقٍ أو وفاة أثر على العِدَّة، فلا تنتهي العدة بمجرَّد التَّأكُّد من براءة الرحم عبر هذه الوسائل، بل تبقى إلى انتهاء مدتها.
الأحكام الشرعية بين التعبد ومعقولية المعنى
وأضاف المفتي: من مرونة الشريعة الإسلامية أنها جمعت في أحكامها بين ما هو تعبديٌّ محضٌ لا يتطلبُ من المُكلَّف البحث في أسبابهِ وعِلَلِه، وبين ما هو معقول المعنى تظهر منه مناسباتُه وحِكَمُه؛ قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، وقال سبحانه: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 242]، فالأولى تدل على معنى الطاعة والانقياد وإسلام الوجه لله تعالى، والثانية تدل على تعظيم دور العقل في الفهم والقدرة على الاستنباط والقياس.
وأكمل: قال الإمام الزَّرْكَشِي في “البحر المحيط” (7/ 403، ط. دار الكتبي): [الأحكام تنقسم بالاتفاق إلى ما يُعلَّل وإلى ما لا يُعلَّل] اهـ، فالحكم التَّعبُّدي: هو ما تعبدنا به الشارع وخفيت علينا حكمتُهُ، والحُكم المُعلَّل أو معقولُ المعنى: هو ما ظَهَر المعنى من تشريعه وبَدَت مناسبته وعلَّتُهُ.