الاقتصاد

فى حضرة التلاوة برمضان.. محمد صديق المنشاوى صوت يبكى القلوب



في ليالي رمضان المضيئة، يحرص المصريون على سماع أصوات قراء القرآن التي تملأ الأرجاء قبل آذان المغرب، تلك الأصوات التي تملك قدرة عجيبة على تهدئة النفوس وإضاءة الروح، حيث يظل قراء القرآن المصريون جزءًا لا يتجزأ من طقوس الشهر الفضيل.


إن تلاواتهم المرتلة ترتبط بالوجدان المصري، وتغذي قلوب الصائمين، حيث تصبح لحظات الاستماع إلى القرآن قبل الفطور بمثابة رحلة روحانية نحو الطمأنينة والإيمان.


في العشرين من يناير 1920، وُلد الشيخ محمد صديق المنشاوي في مدينة المنشاة بمحافظة سوهاج، ليكون شعاعًا جديدًا في سماء القراء. نشأ في أسرة قرآنية عريقة، حيث كان أبوه وجده من المقرئين المعروفين، فكان حتمًا أن يصير هو أيضًا أحد أبرز أعلام تلاوة القرآن الكريم. ومنذ سن الثامنة، أكمل حفظ القرآن، ليخطو خطواته الأولى نحو عالم التلاوة المليء بالفن والإبداع.


امتازت تلاوته بنغمة خاشعة، تجسد بصدق الحزن والتأثر بمعاني القرآن الكريم. كانت مسيرته تكتسب قوة ووقعًا مع كل كلمة يلفظها، ولُقِّب بـ “الصوت الباكي” لجمال صوته وتعبيره المرهف في التلاوة. لم يكن يقرأ القرآن فحسب، بل كان يروي مشاعر وأحاسيسه في كل آية، فيسافر بالمستمعين في رحلة عميقة من التأمل والإيمان.


إن رحلة الشيخ المنشاوي مع الإذاعة المصرية لم تكن مجرد خطوة مهنية، بل كانت بداية لكتابة اسمه في سجل الخالدين. ففي عام 1952، أتيحت له الفرصة ليقرأ منفردًا في سوهاج، ليشعل بذلك شُعلة الشهرة التي لم تنطفئ أبدًا. ولقد كانت تلاوته للمصحف كاملاً برواية حفص عن عاصم، وكذلك تسجيلاته المجودة التي سُجلت له في مساجد العالم الإسلامي، خير دليل على سمو مقامه ورفعة مكانته في قلوب مستمعيه.


ومن مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى، ومن المدينة المنورة إلى دمشق، حلّ الشيخ المنشاوي ضيفًا دائمًا على أقدس بقاع الأرض. زار عددًا من الدول الإسلامية، حيث أذهل المستمعين بعذوبة صوته، فأصبح واحدًا من أبرز قراء جيله، وشريكًا في النهضة القرآنية الكبرى التي شهدتها مصر والعالم الإسلامي في الخمسينات والستينات.

اقرأ أيضًا:  بعد ضبط 2.5 مليون قطعة.. تعرف على عقوبة حيازة الألعاب النارية


ورغم مرضه الذي ألمّ به في عام 1966، بقيت عزيمته قوية، حيث استمر في تلاوة القرآن حتى آخر أيامه. في العشرين من يونيو 1969، رحل الشيخ محمد صديق المنشاوي عن عالمنا، عن عمرٍ يناهز 49 عامًا، تاركًا وراءه ميراثًا من التلاوات التي خلدت اسمه في التاريخ. ولكن، كما قال إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي: “لن يتوقف هذا المركب عن الإبحار حتى يرث الله الأرض ومن عليها.”


رحل الجسد، ولكن بقي الصوت، وبقيت الذكرى، التي ما زالت تلامس القلوب وتطرب الأرواح في كل زمان ومكان.


شهر رمضان في مصر ليس مجرد فترة صيام، بل هو رحلة روحانية تتجسد فيها الطقوس المتجددة، ومن أبرزها استماع المصريين لتلاوات قرآن مشايخهم المفضّلين، مع دقات أذان المغرب، تملأ أجواء المنازل والشوارع أصوات القراء الكبار ليصبحوا جزءًا من الروح الرمضانية، هذه الأصوات العذبة التي تلامس القلوب قبل الفطور، أصبحت جزءًا من هوية الشهر الكريم، حيث تمزج بين الهدوء والسكينة، وتعيد للأذهان ذكرى إيمانية طيبة تمس الأعماق، فتجعل كل لحظة من رمضان أكثر تقديسًا.


 

سامي التميمي

سامي التميمي هو مسؤول الإشراف العام في "ميدان الأخبار"، حيث يشرف على جودة المحتوى وتنظيم عمل الفريق لتحقيق أهداف الموقع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى